
في منتصف شهر مارس من عام 1972 استقل الشاعر أحمد رامي أتوبيس هيئة النقل العام من وسط القاهرة في طريقه إلى منزل السيدة أم كلثوم حيث كانت تستعد لبروفات أغنيتها الجديدة التى كتبها لها:” يا مسهرني”.
في الأتوبيس قام شاب – يبدو أنه تعرف على شخصيته – وقال له: “اتفضل يا أستاذ رامي..اقعد مكاني..يا سلام ..احنا في ده اليوم لما نقابل حضرتك”.
رد:” متشكر يا ابني”
— العفو يا شاعر الشباب” هز أحمد رامى رأسه سعيداً بموقف الشاب فيما كانت أديبة مغمورة – لم تذكر المصادر اسمها – تجلس بالصدفة في المقعد الخلفى فقالت – وهي تعتقد أنها تمزح معه – في(دلع) ظاهر في صوتها:
“وهتفضل لأمتى اسمك شاعر الشباب يا أستاذ رامي وأنت راسك مافيهاش شعر أصلاً؟
نظر لها الشاب في ضجر فيما رد أحمد رامي قائلاً:
” مش أحسن ما يبقى فيها شعر ومفيهاش راس زيك” فسكتت ولم تنطق.
•••
نزل رامي في المحطة القريبة من منزل الست أم كلثوم وترجل حتى وصل إلى البيت. مديرة البيت قالت له:
“الست خرجت منذ قليل إلى الأستوديو – ومعها الشيخ سيد مكاوي – ومعهما باقي أفراد الفرقة لإجراء البروفات”.
شكرها وقرر – وهو مازال يفكر في الموقف (البايخ) الذى تعرض له في الأتوبيس- أن يذهب للست ويحضر معها البروفات، خاصة وأن الحفل – الذى ستغني فيه أم كلثوم الأغنية – تحدد يوم 6 أفريل 1972 في جامعة القاهرة. وبالفعل وصل إلى الأستوديو.
•••
من بين أروقة المبنى بدأ يتسرب إلى سمع رامى صوت الموسيقى التى لحنها الشيخ سيد مكاوي. بهدوء ترجل حتى جلس بعيداً بعض الشيء.
أم كلثوم – في البروفة – تغني:
“يا ناسيني وانت على بالي
وخيالك ما يفارق عيني
ريحنى واعطف على حالي
وارحمني من كتر ظنوني”.
وفجأة توقفت عندما أوعز لها أحد أفراد الفرقة بأن أحمد رامي وصل فقالت:
“والنبي يا شيخ سيد، عايزين نعيد الحتة دي تاني”
رد: “ليه يا ست”؟
قالت: “مش راكبه معايا”
حاضر يا ست”.. ثم تركته وتحركت ناحية أحمد رامي الذى جلس على أول مقعد وجده أمامه بلا ضجيج.
•••
وصلت إلى أحمد رامي وفوجدته مهموماً محزوناً فسألته:
“مالك يا رامي..وجي منين” فحكى لها ما حدث له في الصباح داخل الأتوبيس فضحكت وقالت له:
“يا راجل.. متزعلش دي أكيد الست اللي قالت لك كده بتهزر معاك”.
رد:” تهزر ازاي يا ست؟..دي بتقول رأسك مفيهاش ولا شعره واحدة.. هو ده هزار”؟
— ردت:” اه.. هزار يا رامي”!
•••
بعد دقائق انضم إليهما الشيخ سيد مكاوي لحظة ما بدأت الست أم كلثوم تحكي موقفاً مشابها حدث معها في حفلة كانت في الصعيد منتصف الأربعينات، فسألها الشيخ سيد مكاوي عن هذا الموقف فقالت:
” مرة كنت بغني وأمامي عمدة من عمد الصعايدة، واندمج مع الأغنية وبدأت اسمعه يصيح بصوته الجهوري:” ياعيني عليك ..إيه الجمال ده..كمان والنبي(يا جاموس المغنى) وكررها عدة مرات”.. فغضبت من قوله وتوقفت عن الغناء إلى أن سألني أحد العازفين عن سبب التوقف فقلت له:
انت مش سامع الجدع ده بيقول أيه؟ فضحك وهو يقول هو يقصد (بجاموس المغنى)..(قاموس المغنى) فسألها أحمد رامي:
“وهل أكملت الوصلة الغنائية يا ست:”؟
ردت:” أكملت لكن بعدما رديت على العمدة وقلت له:” بس فين (العجول) اللى تفهم” فانفجر الثلاثة في الضحك.

•••
وعادت أم كلثوم – ومعها سيد مكاوي – إلى الفرقة لمواصلة البروفة وخرج أحمد رامي من حالة الضجر، والملل التى كان يشعر بها بسبب موقف (الأتوبيس) وبدأ ينتبه إلى سماع اللحن مع الست التى أوقفت البروفة فجأة لتسأل الشيخ سيد مكاوي قائلة:
“هل عدلت الحتة اللي قولنا عليها في اللحن يا مكاوي”؟
رد: “لا..لسه..بس حاضر يا ست .. هشوفها حاضر” فنظرت أم كلثوم إلى أحمد رامي وقالت:
“تشوفها؟ يبقى عمرك ما هتعدلها يا شيخ سيد” وانفجر الجميع في الضحك لدرجة أنه تم تأجيل البروفة ساعة كاملة للاستراحة فيما ظل أحمد رامي يضحك، وهو يغادر الأستوديو إلى أن غاب عن أعين الجميع.. وهو يقول:
“قال..هيشوفها قال”؟
(الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب).
•• المصدر:
كتاب:” أم كلثوم وزكريا أحمد – كمال سعد – دار الشعب – 1997.