تمر اليوم 1 جويلية 61 سنة بالتمام والكمال على تدشين الجرة العجيبة التي تتوسط مدينة نابل.

في سنة 1962، اقترح المهندس الطيب لعوينتي، عضو اللجنة البلدية المكلفة بالأشغال العامة على المجلس البلدي بنابل فكرة انجاز شارع كبير (شارع الحبيب بورقيبة الحالي) يشق المدينة ليؤدي مباشرة إلى البحر.

وكانت هناك شجرة (أوكاريا إكسلزا) ذات الخضرة الداكنة، نمت في محيط محطة القطار، وتوجد في محور الطريق المزمع القيام به.

تم الإعداد لاقتلاعها، لكن الحس الفني للمهندس الطيب لعوينتي جعله لا فقط يحافظ على الشجرة بل يزيدها قيمة عندما أهدى لها ثوبا أصيلا من فخار نابل. وهكذا ولدت جرة نابل.

أعد الطيب لعوينتي تصاميم الجرة، وقام ببنائها الطيب مشماش. بعد ذلك، تكفل السيد عبد القادر عبد الرزاق مصحوبا بابن عمه محمد عبد الرزاق، وهما رمزان من رموز صناعة الفخار بنابل بوضع نماذج الزينة والزخرفة مستلهمين من التراث الزخرفي التقليدي النابلي. ثم عهدت مهمة نقل الرسم الشفاف مباشرة على الجرة إلى محمد العوينتي وحسن السكنداجي اللذان قاما أيضا بتلوينها وذلك باستعمال الألوان المميزة لمملكة الفخار.وفي مثل هذا اليوم 1 جويلية 1962 تمّ تدشين هذه الجرة التي بلغت من العمر 61 سنة، وبلغت من الشهرة ما بلغت حتى صارت من رموز مدينة نابل تروج للسياحة التونسية وإحدى مكونات الهوية التونسية.
وبعد 06 سنوات توفي قدور عبد الرزاق وكانت ألوان الجرة قد بهتت فتولى محمد العويني إعادة زخرفتها بأشكال جديدة سنة 1970 ثم ما لبثت أن بهتت ألوانها مجددا فأعاد زخرفتها عبد الستار معيزة سنة 1973وبفعل عدم استعمال أدهان قادرة على البقاء طويلا كانت القشور تبرز بسرعة بحيث تتشوه زخرفتها فأعاد زخرفتها سنه 1976المنصف المؤدب “بيّة” ثم أعاد الكرة لنفس الأسباب فيصل الزين أحد تلاميذ عبد القادر عبد الرزاق سنة 1978 وقد صمدت زخرفته حتى سنة 1983حيث أعاد زخرفتها الإخوان الحداد ثم أتيحت الفرصة لنصر الدين خليل الخطاط سنة 1990وسنة 1996وسنة 2005 و2008.

وفي سنة 2012، وللاحتفال بعيد ميلادها الخمسين أعاد الخطاط التونسي نور الدين خليل تزويقها وإحياء ألوانها المميزة تماما مثل الألوان التي ولدت بها سنة 1962 وحافظ على نفس الرموز والأشكال. ولا تزال الجرة تحمل الألوان التي تشتهر بها منطقة نابل وهي البرتقالي وذلك مرتبط بإنتاج الولاية – المحافظة – لمعظم منتجات تونس من الحوامض (البرتقال بالخصوص)، واللون الأصفر كرمز للشواطئ الرملية السياحية التي تعرف بها المدينة بالإضافة إلى اللون الأزرق الذي يرمز لزرقة البحر وهي مدينة تقع على البحر.ختاما لا بد من الإشارة إلى إن جرة نابل هي ثمرة عمل فني جماعي نفذه مجموعة من الحرفيين المحليين الذين تعتز بهم مدينة نابل لأنهم كانوا مبدعين في مجالاتهم الفنية.ولا بد أيضا من التذكير بأن مسرحية “الجرة لاباس” التي كتب نصها المرحوم المنصف قرط وأخرجها الأستاذ الحداد بوعلاق سنة 1976 هي تعبير عن مدى تأثير الجرة في المخيال الشعبي لأهالي المدينة، حيث صارت الجرة مصدرا للإلهام.