نجاة تغني قصيدة “أيظن” بعد أن أرسلها شاعرها نزار قباني في رسالة بريدية متمنيا تلحينها من عبدالوهاب.
وصل خطاب من الشاعر نزار قباني إلى الفنانة “نجاة الصغيرة” فيه قصيدة “أيظن”، متمنيا أن تغنيها، ويلحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، حسبما تذكر نجاة “لمجلة الكواكب” في تحقيق بعنوان “نزار وعبدالوهاب ونجاة، أرجعوا الحبيب إلي حبيبه”، عدد 453، يوم 5 أفريل 1960.
احتفظت نجاة بالقصيدة ستة أشهر، حتي قدمتها في حفل بسينما ريفولي، 27 مارس، مثل هذا اليوم، 1960 وكان عمرها 22 عاما، وخصص إيراد الحفل لإعادة تعمير مدينة أغادير المغربية التي دمرها الزلزال يوم 29 فيفري 1960، وراح ضحيته 15 ألف قتيل و12 ألف جريح.
كانت الأغنية حدثا فنيا كبيرا، فهي أول قصيدة مغناة لنزار، وتكشف نجاة، رحلة الأغنية، قائلة:” تمنيت في قرارة نفسي أن يلحنها عبد الوهاب، ولكني كنت أخاف أن أعطيها له فيكسفني، وسمعها بعض الصحفيين منهم الأستاذ كامل الشناوي فنشرها بجريدة الجمهورية”.
“أيظن أني لعبة بيديه/ أنا لا أفكر في الرجوع إليه/ اليوم عاد كأن شيئا لم يكن/ وبراءة الأطفال في عينيه/ ليقول لي إني رفيقة دربه/ وبأنني الحب الوحيد لديه/ حمل الزهور إليِّ كيف أرده/ وصباي مرسوم على شفتيه/ ما عدت أذكر والحرائق في دمي/ كيف التجأت أنا إلى زنديه/ خبأت رأسي عنده وكأنني/ طفل أعاوده إلى أبويه/ حتى فساتيني التي أهملتها/ فرحت به رقصت على قدميه / سامحته وسألت عن أخباره / وبكيت ساعات علي كتفيه/ وبدون أن أدري تركت له يدي/ لتنام كالعصفور بين يديه/ ونسيت حقدي كله في لحظة / من قال أني قد حقدت عليه / كم قلت أني غير عائدة له / ورجعت..ما أحلى الرجوع إليه”.
تذكر نجاة أنه في اليوم التالي لنشر القصيدة اتصل عبد الوهاب بها، مبديا استعداده لتلحينها، تضيف:” بعد عشرة أيام دعاني للاستماع إلى ما تم تلحينه، وأعجبني ما سمعته، كانت طريقته جديدة، كنت أتمنى أن أغني بها، ومرت أيام وشهور، وفي كل يوم يضع عبدالوهاب في التلحين ألوانا وألوانا، وأحببت القصيدة، واللحن، وتمنيت لو أن عبدالوهاب ينتهي منها لتقديمها ، وكان من المفروض أن نسجلها أولا ثم نهديها للإذاعة، كنت في الواقع أخشى أن أغنيها في حفلة عامة خوفا من أن لا تجد إقبالا، وخاصة وأنها قصيدة وبلون جديد، وتلحين جديد، إلا أنني فوجئت بالإذاعة تطلب مني أغنية جديدة أقدمها في حفلة أغادير، فبدأنا البروفات ليلا ونهارا، وأنا خائفة رغم تأكيدات كل من سمعوها وأنا أدندن بها بأنها رائعة”.
أبدت نجاة سعادتها من التجاوب الجماهيري مع الأغنية، مؤكدة أن الفضل للأستاذ الكبير، وأنها تشجعت فاتصلت بنزار قباني تطلب منه قصيدة أخري، غير أن البعض ربط نجاح الأغنية بأم كلثوم، فتعجب عبد الوهاب، قائلا للكواكب:” الشيء الغريب الذي لا أجد له تفسيرا هو لماذا يربط الناس بين نجاح هذه الأغنية وبين أم كلثوم”، ردت الكواكب: لأنه أذيع أن أم كلثوم رفضت أن تغني لك، ويقولون إنك نجحت نجاحا فائقا في تلحين هذه القصيدة ما يؤكد أنك قادر أن تهدي أم كلثوم لحنا أمتع وأروع”
وعما أعجبه في القصيدة، قال عبدالوهاب:” كلها على بعضها وحدة متكاملة، أعجبتني كلماتها الرقيقة، وفكرتها الجميلة، حكاية حب لها أول ولها نهاية، قصة مثيرة، في لغة عربية سهلة وصادقة وعميقة، قصيدة مودرن وضع كلماتها رجل عصري، فكانت لونا جديدا تحتاج إلي تلحين جديد”.
يكشف عبدالوهاب:” نصحني كامل الشناوي وناصر النشاشيبي بأن أطلب من نجاة ألا تغني القصيدة في الحفل أمام الجمهور، لأن اللحن جديد وربما لا يتابعه الجمهور بالحماس، وحدثت نجاة عن مخاوفي لكنها كانت مصرة، وتركت الأمر لها ولأحمد فؤاد حسن ووضعت يدي علي قلبي، ولكن الحمد لله”
كان نزار يعمل دبلوماسياً بسفارة الجمهورية العربية المتحدة في بكين، ولم يستمع للأغنية فطلبها على شريط تسجيل من نجاة فلم تلبي، فكتب إليها معاتباً: (أيتها الصديقة الغالية، لا أزال في آخر الدنيا، أنتظر الشريط الذي يحمل أغنية (أيظن)، تعيش في الصحف، في السهرات وعلى شفاه الأدباء، وفي كل زاوية من الأرض العربية، وأبقى أنا محروماً من الأحرف التي أكلت أعصابي، يا لك من أم قاسية يا نجاة.
أريتِ (المولود) الجميل لكل إنسان وتغنيت بجماله في كل مكان، وتركتِ أباه يشرب الشاي في بكين، ويحلم بطفل أزرق العينين يعيش مع أمه في القاهرة، لا تضحكي يا نجاة إذا طلبت ممارسة أبوتي، فأنا لا يمكن أن أقنع بتلقي رسائل التهنئة (بالمولود) دون أن أراه، فانهضي حالاً لدى وصول رسالتي، وضعي (المولود) في طرد بريدي صغير، وابعثي به إلى عنواني، إذا فعلت هذا كنت أماً عن حق وحقيقة، أما إذا تمردت فسأطلبك إلى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنك تكرهينه”.