البيان/وطنية

وجه في الأيام الأخيرة رئيس الحكومة كمال المروري مراسلة إلى مختلف وزراء حكوميه تتعلق بالمبادئ التوجيهية التي يجب اتباعها عند صياغة مشاريع النصوص القانونية، جاء بها:

وبعد، بهدف توضيح المبادئ والقواعد والمنهجية التي يتعين إتباعها في دراسة وإعداد مشاريع النصوص القانونية وكذلك التقنيات التي يتعين استعمالها في مجال التحرير مما يسهل مهمة الصياغة بالجودة المطلوبة ويضمن الفاعلية في التطبيق، وانطلاقا مما يحظى به موضوع جودة النصوص القانونية من اهتمام كبير من قبل سيادة رئيس الجمهورية باعتبارها عماد الثورة التشريعية المنشودة،

وحيث أن جودة النصوص القانونية التي تنشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية تعكس مدى كفاءة إطارات الدولة الساهرة على إعداد النصوص القانونية وقدرتها على سن قوانين فعالة تحقق المصلحة العامة وتكون قابلة للتطبيق بسلاسة، وتجسد مبدأ الأمن القانوني الذي يقتضي أن يكون النص القانوني واضحا ودقيقا ومستقرا في أحكامه ومتسقا مع المنظومة القانونية الوطنية.

ويتطلب تحقيق مبدأ الأمن القانوني تفادي بعض النقائص التي يمكن أن تجعل النص القانوني المقترح معيبا في شكله ومحتواه، ومن بين هذه النقائص التضخم التشريعي وتتمثل في تعدد النصوص القانونية التي تتطرق إلى ذات المسألة بأحكام مختلفة وأحيانا متناقضة وهو ما يقتضي اعتماد تقنين موحد للنصوص القانونية المنظمة لكل قطاع وبما يضمن سهولة النفاذ إلى القاعدة القانونية المنطبقة والمحيّنة.

وقبل المبادرة إلى اقتراح مشروع نص قانوني يجب التعمق في الخيارات المتاحة وتقدير ملاءمة النص القانوني من خلال استيفاء البحث عن الحلول الممكنة للمشاكل المطروحة فعليا كبدائل عن مشروع النص القانوني المقترح. كما يتعين دراسة الإشكالية المطروحة بالموضوعية اللازمة وتقدير مدى الحاجة إلى نص قانوني لتأطيرها ومدى تأثيره على مختلف المجالات خاصة الاقتصادية والاجتماعية والكلفة المالية التي يمكن أن تتحملها ميزانية الدولة.

وعليه، ومراعاة لهذه الأهداف والضوابط فإنه يتعيّن إيلاء عناية خاصة بهذا الموضوع وتدارك النقائص المسجلة، حيث لوحظ أن عديد الوزارات تعرض على رئاسة الحكومة مشاريع نصوص قانونية لا تعدو كونها مجرد مسودات تشوبها نقائص وإخلالات شكلية وجوهرية عديدة ولا ترتقي بالتالي إلى مستوى مشروع مُعد إعدادا جيدا ومستوف لموجبات العرض التي تقتضي بذل عناية فائقة لدراسته وصياغته صياغة دقيقة ومحكمة.

وأمام هذه الوضعية تجد المصالح المختصة برئاسة الحكومة نفسها متعهدة بكم هائل من مشاريع النصوص القانونية من مختلف الوزارات غير معدة إعدادا جيدا وتتولى في عديد الأحيان معالجة الإخلالات الشكلية والجوهرية التي تشوبها وذلك بإعادة صياغة عديد الأحكام المضمنة بها وأحيانا إعادة صياغتها برمتها وهو ما يترتب عنه إهدار كبير للوقت والطاقات وتعطل إصدار النصوص القانونية.

وعليه فإنكم مدعوون إلى توجيه التعليمات إلى المصالح المختصة الراجعة إليكم بالنظر وحثها على الإعداد الجيد لمشاريع النصوص القانونية لتكون محكمة الصياغة وفي المستوى المطلوب وجديرة بالعرض على رئاسة الحكومة، مع الحرص على أن يكون العرض مشتملا على مشروع القانون ونصوصه التطبيقية في نفس الوقت بما يضمن الانسجام بينهما في إطار رؤية شاملة ودقيقة لمختلف جوانب الموضوع ويقلل من احتمال وجود ثغرات قانونية وبما يضمن كذلك السرعة في التطبيق وذلك بإصدار النصوص التطبيقية في وقت وجيز من تاريخ إصدار القانون.

وضمانا لجودة النصوص القانونية يتعين الحرص على تدعيم المصالح القانونية الراجعة إليكم بالنظر بالكفاءات القانونية وتشريكها وجوبا في إعداد جميع مشاريع النصوص القانونية وضمان التنسيق وجوبا بينها وبين مصالحكم الفنية المختصة لضبط الصيغة النهائية للمشاريع قبل عرضها على رئاسة الحكومة، حيث أن النص القانوني حتى ولو كانت تطغى عليه الصبغة التقنية أحيانا فهو نص قانوني يخضع لقواعد الصياغة القانونية المعمول بها، وبالتالي فإن تهيئته النهائية لا تكون إلا من قبل المصالح القانونية التي تكون مسؤولة عن جودة صياغته من الناحية القانونية.

كما يتعين إيلاء عناية فائقة بقواعد الصياغة من الناحية اللغوية وذلك باعتماد لغة عربية سليمة نحوا وصرفا وإعرابا مع توخي الدقة والوضوح وتجنب الأسلوب الإنشائي والحرص على حسن صياغة نص الترجمة وإعداده بالتوازي مع نص المشروع باللغة العربية اعتبارا لنجاعة هذه المنهجية في تحسين جودة النصوص القانونية وإحكام صياغتها.

وتتطلب الصياغة القانونية اختيار العبارات القصيرة وصياغة كل حكم قانوني بأقل عدد من العبارات والابتعاد عن الجمل الطويلة والمركبة التي يمكن أن تؤدي إلى الغموض، والتقيد باستعمال المصطلحات القانونية الدقيقة والمكرسة بمقتضى التشريع الوطني.

وضمانا للإسراع في استصدار النصوص القانونية، فإنه يتعين على الوزارة صاحبة المشروع ألا تبادر بعرض أي مشروع نص قانوني على رئاسة الحكومة إلا بعد أن تستوفي في شأنه كافة الاستشارات باستثناء استشارة المحكمة الإدارية التي تتعهد بها المصالح المختصة برئاسة الحكومة، ويكون المشروع المعروض مرفقا وجوبا بأراء الوزارات والهياكل المعنية.

ويتعين على الوزارات عند إعداد مشاريع النصوص القانونية، وخاصة منها مشاريع القوانين أولا وقبل كل شيء أن تستحضر أحكام دستور الجمهورية التونسية. وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بأحكام الفصل 67 من الدستور والتي ليس لها مثيل في الدساتير السابقة والتي تنص على أنه يمارس مجلس نواب الشعب الوظيفة التشريعية في حدود الاختصاصات المخولة له في هذا الدستور”، وكذلك أحكام الفصل 76 من الدستور التي تنص على أنه “ترجع إلى السلطة الترتيبية العامة المواد التي لا تدخل في مجال القانون. ويمكن تنقيح النصوص السابقة المتعلقة بهذه المواد بأمر يعرض وجوبا على المحكمة الإدارية ويصدر بناء على رأيها المطابق.”

ويتضح من خلال المقتضيات الدستورية المذكورة أن اختصاص الوظيفة التشريعية اختصاص مسند، في حين أن اختصاص الوظيفة التنفيذية اختصاص عام ترجع بمقتضاه جميع المواد التي لا تدخل في مجال القانون إلى السلطة الترتيبية العامة التي يمارسها رئيس الجمهورية.

وعليه، وإعلاء لأحكام الدستور، فإنه يتعين الاقتصار عند صياغة مشاريع القوانين على الأحكام ذات الصبغة التشريعية فقط وتجنّب إدراج أحكام ذات صبغة ترتيبية بها، باعتبارها تخرج عن حدود اختصاصات الوظيفة التشريعية التي لم يخول لها الدستور النظر في المواد التي ترجع إلى السلطة الترتيبية العامة ومناقشتها واتخاذ القرار بشأنها سواء بالمصادقة عليها أو رفضها.

لذا، واعتبارا لأهمية الموضوع فإنه يتعين تطبيق ما ورد بالوثيقة التوجيهية موضوع هذا المكتوب بكل دقة وعناية.