كتب: محمد العياشي العجرودي |

تلقيت تعليقًا يحاول التخفيف من حدة الطرح الذي عبّرت عنه في مقالي الأخير، حيث يُقال إن “بعض الدول العربية، كمصر والسعودية، تلعب أدوارًا متنامية داخل المؤسسات المالية العالمية”.
هذا الكلام غير دقيق، بل خطير، لأنه يُسوّق لوهم التأثير، في حين أن الواقع يقول إننا لا نملك شيئًا… لا نفوذ، لا سيادة، ولا حتى مقعدًا محترمًا على طاولة القرار المالي العالمي.
إليكم التوضيح، بالأرقام والوقائع:
أولًا: صندوق النقد الدولي (FMI)
• نسبة التصويت (2023):
• الولايات المتحدة: 16.5% (حق الفيتو منفردة)
• مجموع الدول العربية مجتمعة: أقل من 8%
• السعودية: 2.7%
• الإمارات: 0.7%
• مصر: 0.4%
• الكويت: 0.5%
• قطر: 0.4%
• لا وجود لأي تنسيق عربي موحد، ولا كتلة تصويتية عربية كما تفعل أمريكا اللاتينية أو الاتحاد الأوروبي.
الخلاصة: لا يمكن الحديث عن “دور متنامٍ” للعرب… نحن غائبون بالكامل عن مراكز القرار داخل الصندوق.
ثانيًا: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Federal Reserve)
• ليس مؤسسة حكومية خالصة.
• البنوك الإقليمية الـ12 مملوكة من بنوك خاصة.
• لا تُنتخب مجالس الإدارة شعبيًا.
• من يتحكم؟ وول ستريت والنخبة المالية الأمريكية.
النتيجة: السياسة النقدية الأقوى في العالم تُدار من غرف مغلقة، لا مكان فيها للعرب ولا لغيرهم من شعوب العالم.
ثالثًا: البنك المركزي الأوروبي (BCE)
• مؤسسة فوق-حكومية غير ديمقراطية.
• لا تخضع للمساءلة الشعبية.
• لا توجد أي قنوات اتصال مؤسسية مع العالم العربي.
• ومع ذلك، نربط عملاتنا باليورو أو بالدولار… من دون أي نفوذ في المصدر.
رابعًا: كفى تهذيبًا للواقع… نحن مُغيبون عمداً
الحديث عن “رؤية ناضجة” و”أدوار متنامية” هو تجميل خطير للهيمنة المالية الدولية التي تُقصي العرب تمامًا من المعادلة، بينما تُستخدم ثرواتهم كأدوات لصناعة القوة الغربية.
خامسًا: بعض الأرقام الصادمة
• الدولار يُستخدم في 88% من المبادلات العالمية.
• الذهب العربي يُخزن في نيويورك أو لندن، لا في العواصم العربية.
• 1.2 تريليون دولار من أموالنا تُدار من بنوك أجنبية.
• لا نمتلك بنكًا مركزيًا عربيًا، ولا عملة رقمية موحدة، ولا سيطرة على احتياطاتنا.
كلمة أخيرة:
لا أبحث عن تهذيب للواقع، بل عن قوة تغيير تُعيد للأمة قرارها السيادي، النقدي، والتنموي.
ما نعيشه ليس قصورًا… بل إقصاء ممنهج، يجب أن يُواجَه بـ ثورة عقلانية اقتصادية.
ومن لم يفهم بعد أن الاقتصاد هو سلاح القرن، فليُعِد قراءة التاريخ.