كيف بدأت القصة القصيرة في تونس وماهو واقعها اليوم، وماهي أسرار تحولها وأسباب هذا التحول؟ تلك هي بعض الأسئلة التي حاول الإجابة عنها ثلة من الأدباء والباحثين والأساتذة، بحضور مجموعة من الأدباء والشعراء والقراء، خلال لقاء نظمه نادي القصاصين والتأم بمقر اتحاد الكتاب التونسيين مساء الجمعة 16 جوان بالعاصمة.

اللقاء الذي أداره الروائي والشاعر لطفي الشابي، تضمن مداخلتين لكل من الأستاذ والباحث الحسناوي الزارعي والقاصة حبيبة محرزي.
وقدم الحسناوي الزارعي، معطيات تفصيلية هامة عن كتابة القصة القصيرة في تونس منذ ثلاثينات القرن الماضي، وعاد بالحاضرين إلى جماعة تحت السور وما قبل تلك الفترة وما بعدها، مقدما لمحة عن أهم مميزات كل فترة وخصائص الكتابة عند كل كاتب والفرق بينها انطلاقا من خلفيات كل كاتب السياسية والاجتماعية وتأثيراتها على الكتابة الأدبية.
ومثل كتاب « محمود بيرم التونسي، أحرار في بلادنا » وهي مجموعة قصصية اختار لها عنوان « من التراث البيرمي بتونس في ثلاثينات القرن العشرين » تولى تحقيقها وتقديمها الحسناوي الزارعي، منطلقا للحديث لا فقط عن سيرة بيرم التونسي الذي « حرّك السواكن »، بل كذلك عن ريادته في عدة جوانب وخاصة على مستوى كتابة القصة في العالم العربي وتحديدا المغرب العربي والخليج.
واعتبر صاحب هذا الكتاب الصادر عن المركز الوطني للاتصال الثقافي ضمن سلسلة « ذاكرة وإبداع »، أن بيرم كان فنانا ومبدعا شاملا إذ كتب الشعر والزجل والنثر من قصة ومقامات ومقالات ومسرحيات ومسلسلات إذاعية وغيرها، مبينا أن بيرم التونسي والأدباء التونسيين عموما كانوا سباقين في كتابة القصة.
وإلى جانب أقاصيص بيرم والخصائص الفنية لها، تحدث الزارعي عن مميزات المشهد الأدب التونسي بشكل عام منذ نهاية العشرينات والثلاثينات (حيث كان هناك صراع بين التقليد والتجديد في الكتابة السردية)، إلى غاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث تناول بالبحث جزءا من مسيرة عبد الرزاق كرباكة وعلي الدوعاجي وزين العابدين السنوسي والتيجاني بن سالم وصالح السويسي القيرواني، مرورا بالبشروش والشابي والحليوي، وصولا إلى حركة الطليعة وأبرز أدبائها وفي مقدمتهم الأديب عز الدين المدني.
كما أشار الأديب لطفي الشابي إلى أهمية كتاب « الرماد » للأديب محمد العريبي (من جماعة تحت السور)، وما تضمنه من أقصوصات تعكس البناء الفني للقصة في بداياتها في تونس، من لغة بسيطة وطرح للقضايا الاجتماعية آنذاك ووصف للأماكن والأشخاص ومن تعدد للأصوات وهو أمر نادر في الأقصوصة، معتبرا أن « بناء الأقصوصة لدى العريبي سابق لزمنه ».
ولم يقتصر الحديث عن بناء الأقصوصة على استعادة البدايات، بل تواصل مع الزمن الراهن، وذلك انطلاقا من بعض القراءات التي قدمتها القاصة حبيبة محرزي، من مجموعتها القصصية « قرار أخرس »، التي كانت فرصة للحاضرين لتوسيع النقاش بشأن بناء الأقصوصة والفرق بين الأقصوصة والفصل من رواية. كما تناول النقاش مسألة غياب النقد، أو بالأحرى عدم مجاراته لحركة الكتابة الأدبية سواء قصة أو رواية.
واعتبرت الكاتبة مسعودة بوبكر، أن كتابة القصة متواصلة وإصدارات المجموعات القصصية مستمرة معتبرة أن « القصة القصيرة، هي تلك الديباجة المستعصية »، لكنها أرجعت قلة ظهورها، إلى قلة الاهتمام بها إلى من قبل الإعلام، مقابل ما تحظى به الرواية من اهتمام، قد يكون مرده، كثرة الجوائز المخصصة لهذا الجنس الأدبي.

وات