بمشاركة ثلة من الجامعيين والباحثين في مجال الفلسفة والحضارة، انتظم مساء اليوم السبت بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي لقاء فكري بعنوان “الشعر متعددا”.
يتنزل هذا اللقاء في إطار الندوة الدورية”ما الفكر في ممارسة الفنون؟” التي يعقدها معهد تونس للفلسفة وتشرف عليها المختصة في فلسفة الفن رشيدة التريكي، والتي تهدف إلى ابراز الجوانب الفكرية الكامنة في الأعمال الفنية والإبداعية.
وفي كلمته الإفتتاحية أشار الفيلسوف وصاحب كرسي اليونسكو للفلسفة فتحي التريكي إلى أن معهد تونس للفلسفة يستضيف خلال هذا اللقاء شعراء حاولوا من خلال اختصاصات مختلفة استضافة الشعر في ميادينهم وخارج ميادينهم.

وعاد بالمناسبة على الهدف من تنظيم ندوة “مالفكر في ممارسة الفنون؟”، مشيرا إلى أنها تهدف إلى إقامة حوارات ولقاءات بين الفلاسفة والمنظرين والممارسين لشتى الفنون، وهي محاولة للتركيز على أشكال الفكر الكامنة في العملية الإبداعية للفنون عامة وفي تونس خاصة.

وحول العلاقة بين النقد الفني والقراءة الفلسفية للفنون، أشار التريكي إلى أن خطاب النقد الفني كان يرافق الإبداعات لإخضاعها لأشكال من العقلانية الخارجية لكن الفلسفة تخلت عن العلاقة العامودية مع مختلف الفنون، معتبرا أن هذه العلاقة عادة ما يكون مصدرها سلطة ما.
وصرح التريكي بالمُناسبة، أن اللقاء القادم سيكون مع السينمائيين للبحث في كيفية إيجاد الفكر في الإبداع السينمائي
وحول موضوع لقاء اليوم، انطلق التريكي من فكرة أن الفن يحمل في ذاته المفاهيم من خلال عمليات احساسية جمالية يكشفها الفيلسوف من خلال تجارب الفكر، متسائلا هل يمكن للشعر أن يكون الشكل اللاواعي الذي يسكن الإبداع بمختلف الاختصاصات؟
وقدم المداخلة الرئيسية للقاء، والتي تحمل عنوان “القصيدة بين الفلسفة والفكر”، الفيلسوف محمد أبو هاشم محجوب بصفته مختصا في إشكالية العلاقة بين الشعر والفلسفة، وقد استهل مداخلته بملاحظة منهجية مفادها أن العلاقة بين الشعر والفلسفة تتحدد حسب المعنى المعتمد لمفهوم الفكر الذي يحمل العديد من المعاني من مدرسة فلسفية إلى أخرى.
وقد طرح بالمناسبة عديد التساؤلات حول استخلاص الفكرة من الشعر هل يمكن قراءتها من مرحلة ما قبل كتابة القصيدة أو أنها فكرة خالجت الشعار في مرحلة الكتابة أو هي قراءة نابعة من مرحلة ما بعد الكتابة، وقد تناول هذه العلاقة الجدلية بين الشعر والفلسفة من خلال الاستئناس بالعديد من الشعراء والفلاسفة العرب والغربيين ومن ضمن الأمثلة التي تناولتها مداخلة محجوب، ابن سينا و امرأ القيس والمتنبي، ليستخلص وجود تقابل بين الكلمات الشعرية والأفكار الفلسفية.
انقسم برنامج اللقاء إلى قسمين الأول تضمن المداخلتين الافتتاحيتين والثاني للقراءات الشعرية التي افتتحها رجل القانون عياض بن عاشور حيث ألقى على مسامع الحضور عدد من القصائد من ديوانه الأول “قصائد حول الحرية” « Poèmes pour la Liberté » الصادر باللغتين العربية والفرنسية والذي يتضمن قصائد وترجماتها وصدر خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 عن دار AC Editions.
كما ألقى بن عاشور بالمُناسبة قصائد لم تُنشر بعد الأولى بعنوان “le trou dans la serrure ” وترجمتها العربية تحمل عنوان “عين الاعورار” والثانية قصيدة كتبها في ثمانينات القرن الماضي وعنوانها ” La mort de l’enfant ” وهي مستوحاة من حادثة أليمة أحلت على أحد زملائه الذي فقد طفله ابن ال 11 ربيعا.
وشارك ضمن هذا اللقاء المخرج والناقد السينمائي هشام بن عمار، إذ استهل مُداخلته بالإشارة إلى أنه لم يقرأ شعرا في محفل جماعي منذ سنة 1979، معتبرا أن الشعر هو طريقته للتمرد على العديد من الأشياء وهو الذي ولد سنة 1958 وأمضى السنوات الأولى من حياتها متجولا بين أروقة البنوك نظرا لكون والده كان إطارا بنكيا، وقد أفرزت هذه التجربة نصوصا شعرية تطرح علاقته مع المال والعمليات المالية وكل ما له علاقة بمهنة والده وما وعى عليه منذ نعومة أظافره، وقد ألقى عددا منها بالإضافة إلى قصائد أخرى سبق وأن نشرها في مجلة كندية عنونها Mitra” .
وقدم المُترجم عبد الحميد العذاري بالمُناسبة ترجمات فرنيسة لعدد من قصائد محمد الغزي من ضمنها قصيدة “للريح”.
وشهد اللقاء مُشاركة الكاتب والشاعر عبد العزيز قاسم، الذي بدأ مداخلته بطرح عددا من الأفكار التي تعود إلى تاريخ تونس وتجارب بعض الشعراء على غرار أبو القاسم الشابي الذي كان أول شاعر تونسي تُنشر له قصيدة كاملة في مصر في سياق كان فيه ولوج الساحة الشعرية الفرنسي صعب.
وضم الجزء الثاني من المُداخلة قراءات شعرية من ديوانه “نوبة حب في عصر الكراهية” الصادر سنة 1991 عن الدار العربية للكتاب، وتضمنت القصائد المقروءة محاكاة لشخصيات تاريخية فكرية هامة على غرار الشاعر والكاتب المسرحي الإسباني “غابرييل غارسيا لوركا”، بالإضافة إلى عدد من القصائد بالفرنسية.
اختتم اللقاء بمجموعة من القراءات الحرة التي قدمها عدد من الحاضرين في اللقاء.