ينظّم مخبر بحث “الظاهرة الدينية” بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة من 19 الى 21 نوفمبر الجاري ندوة دولية بعنوان “الإسلام والأديان: أيّ علاقة؟” لتعالج من خلالها مجموعة من التّساؤلات وغيرها ممّا يثيره النّظر في علاقة الإسلام بغيره من الأديان على صعيديْ التّمثّلات والمعاملات وتقدّم مقاربات متنوّعة حضاريّة وتاريخيّة وسوسيولوجيّة وإناسيّة في استجابة لهذا الاقتضاء ومن خلال مجموعة من المحاور ذات العلاقة بمسائل الائتلاف والاختلاف بين الإسلام والأديان الأخرى في الاعتقادات والشرائع والطقوس والفاعلين الدينيين والمفاهيم الدّينيّة المؤسّسة لعلاقات الإسلام بالأديان الأخرى وعلاقة الإسلام بسائر الأديان في المجتمعات الإسلاميّة ماضيا وحاضرا ومستقبلا والأقلّيات الدّينيّة في بلاد الإسلام والأقلّيات الإسلاميّة في البلدان غير الإسلاميّة.

وتتكون اللجنة العلمية لهذه الندوة وفي تنسيق عام للاستاذ محمد بن الطيب من الأساتذة فتحي القاسمي، محمد الحاج سالم، بثينة الجلاصي، بية السلطاني، محمد صابر الثابت، سمير الزغبي، عبد السلام الحمدي، ناجي الحجلاوي، علي المخلبي ومحمد بن الطيب
وقد أعدّت هذه اللجنة ورقة علمية للندوة جاء فيها ان”الأديان مازالت فاعلة في التّجربة الإنسانيّة رغم ما تحقّق من فتوحات علميّة تتعلّقب الوجود المادّيّ.ولئن أقدرت تلك الفتوحات الكائن البشريّ على استثمار الطّبيعة وتصريف الأشياء إلى حدّ يُشعِر بأنّه الماسك بزمام الكون لا يعجزه شيء فيه، فإنّ الأسباب الّتي أحوجته إلى التّديّن منذ فجر الحياة لمّا تَنْتَفِ،ولاسيّما شعوره بالقصور عن إدراك مأتاه ومغزى وجوده وعلاقته بسائر الموجودات ومصيره بعد انقضاء حياته الفانية، ومآلات ما تشهده الأرض من أوجه الصّراع بين الحقّ والباطل والخير والشّرّ …وإذ تفعل الأديان فعلها في الواقع الإنسانيّ يتحتّم تفاعلها بحكم ما يقتضي التّديّن من العمل على تجسيد مبادئها وقيمها وتوسيع دوائر مفاعيلها، فلا غرو أن تكون الصّلات بينها إشكاليّة على الدّوام، ولئن أظهرت التّقديرات الإحصائيّة أنّ الدّيانة الأوسع انتشارا في العالَم هي المسيحيّة الّتي ينتسب إليها حوالي ثلث سكّان الأرض، فإنّ بعض مراكز الأبحاث لاحظت أنّ الإسلام هو الدّين الأسرع نموّا ديمغرافيّا، وخلُصَت من هذه الملاحظة إلى أنّ عدد المسلمين سيفوق عدد المسيحيّين بحلول عام سبعين وألفين (2070) إذا استمرّ تكاثر أتباع الدّيانتين بالوتيرة الحاليّة، وقد فسّرت ذلك كلّه بارتفاع معدّلات الخصوبة في المجتمعات الإسلاميّة، أساسا، وتزايد المتحوّلين من أتباع المسيحيّة إلى معتنقين لديانات أخرى أو لا دينيّين…لكن ليس هذا المعطى الكمّيّ سوى وجه من أوجه العلاقة بين الإسلام وسائر الأديان، فإنّها علاقة متعدّدة الأبعاد متشعّبة التّعقيدات، تتداخل فيها العوامل الاعتقاديّة والاجتماعيّة والجغرافيّة، وتفعل فيها الذّاكرات الجمعيّة ومتخيَّلات المسلمين ومخالفيهم من أتباع الدّيانات الأخرى، وهي تتغذّى، سلبا أو إيجابا، من الوقائع التّاريخيّة، بل من الطّوارئ العابرة أحيانا، وليست بمنأى عن تداعيات صراعات من قبيل الدّائر رحاه على أرض فلسطين وغيرها…ومن المفترَض أن تكون المعتقدات الإسلاميّة فاعلة في تشكيل علاقة المسلمين بأهل الأديان الأخرى، فثنائيّة الكفر والإيمان، مثلا، لا ريب في أنّها توجّه متخيَّلهم بنحو ينجلي عنه تمثّلهم للإسلام ومواقفهم من مختلف تشكّلات البنية الدّينيّة، سواء السّابقة له واللاّحقة كالبهائيّة والبابيّة، وهي ممّا يجعل بحث أوجه الاختلاف في الاعتقادات والشّرائع والطّقوس والفاعلين الدّينيّين مطلبا وجيها. وليس من التّرف الفكريّ الاهتمام بدراسة آثار تلك الأوجه في علاقات المنتسبين إليه بمخالفيهم، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، داخل المجتمعات الإسلاميّة وخارجها
ومن المنتظر ان تهتم هذه الندوة بالبحث في مدى نجاعة الحوار في التّقريب بين المسلمين وغيرهم من أهل سائر الأديان لتحقيق السّلم العالميّ وعن مدى صلاحيّة مفاهيم تقليديّة من قبيل مفهوميْ “دار الإسلام” و”دار الكفر” في السّياق الحضاريّ الرّاهن وعن كيفية تعايش الأقليّات المسلمة في المجتمعات غير الإسلاميّة وتعايش الأقلّيات الدّينيّة في المجتمعات الإسلاميّة وعن مدى تأثير الهجرة في تشكيل الوعي الدّينيّ لدى المسلمين وغيرهم.

منصف كريمي