الإصلاح التربوي في بلادنا، من أين يبدأ ؟   

كتبت الصديقة Lilia Mezzi Ep Nefzi  من منزل بورقيبة تدوينة قبل أيام تتحدث فيها عن الإصلاح التربوي في بلادنا فعلقتُ أنا بفقرة قصيرة قلت لها فيها من بين ما قلت “انتظري مني رؤيتي للإصلاح التربوي كيف يكون ؟.. ومن أين يبدأ ؟”.. ثم أخذتني شؤون أخرى.. وها أنا اليوم، أتذكّر الموضوع وأعود إليه فأقول : – يا استاذتنا، ما الذي دعانا منذ سنوات كأولياء تلامذة ومواطنين غيورين على الوطن وأجياله المتعاقبة ؟.. ما الذي دعانا لإثارة موضوع الإصلاح التربوي في بلادنا ؟.. قطعا، هو المستوى العام المتدنّي لأبنائنا في كل المستويات التعليمية.. ومستوى التلميذ إنما هو نتاج مستوى معلّمه وأستاذه.. فنحن جيل ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان معلّمنا مثلنا الأعلى في كل شيء.. فهو الذي كان يُقنع أباءنا وأمهاتنا وبالتالي يقنعنا نحن كتلامذته، فنضعه في أعلى مستويات كياننا.. نحبّه رغم قسوته علينا.. نحترمه ونجلّه حتى لو كانت نتائجنا متواضعة او متوسطة او دون المأمول.. لا أحد ينكر على المعلم والأستاذ كل المجهود الذي يبذله.. ولا أحد يجرأ على مجادلته او مناقشته في تقييم اي تلميذ في اي مستوى كان.. جميعنا كنا نحبه.. نهابه.. ونخاف منه خوف الطفل من أبويه ومن كل من يكبره سنا…

 باختصار، كان المعلم والأستاذ مربيا لنا اكثر مما كان معلّمنا.. ولذلك، كان الولي في عديد الحالات يوصي المعلم والأستاذ تشددا مع طفله بكل الطرق والأساليب شريطة أن يوصله للنجاح.. قلت قبل قليل ان معلم الإبتدائي واستاذ الثانوي كان يقنع الولي كما التلميذ.. بماذا هو كان يقنع ؟.. بزاده العلمي والمعرفي في كل ما كان يدرّسه.. بثقافته العامة الكبيرة.. وبإدراكه التام لعقلية تلميذ مجتمعنا الجديد ولمدى تطلعنا لكسب العلم والمعرفة إيمانا منا بأننا كنا الجيل الغيور على وطنه والمتطلع للمساهمة في بناء تونس الجديدة.. هكذا علّمنا سيدي المعلم ومديرنا ومعلمتنا  madame في مدرستنا التي كنا نأكل فيها ونلبس منها ونقتني كتب الدراسة من مكتبتها عند بداية كل سنة دراسية.. إذن، نحن جميعا، وكل المجتمع الجديد في تونسنا الحديثة، كنا على اقتناع تام بمدرّسنا.. واليوم، أين هو التلميذ من اقتناعه بقدرة معلمه على إنجاحه في الدراسة ؟.. وبالتالي، إنجاحه في الحياة ؟.. اليوم، يسأل تلميذ مبتدئ معلمه حول مسألة ما، داخل الفصل، متعلقة بالمادة التي هم يدرسونها فيأتيه ردّ المعلّم في عديد الحالات : لا أعرف الإجابة.. اسأل غوغل !!؟؟.. وأكثر المرات يقول له : – ليست لديّ إجابة لأنها ليست من اختصاص تكويني !!!؟؟.. أكثر من هذا، نجد اليوم معلما لا يحسن الكتابة السليمة لغة ونحوا وصرفا في المادة التي يدرّسها.. كما نجد أستاذا لا يحسن كتابة تقرير عن حالة تلميذ بعينه في ما يتعلق بحادث ما.. إنه المستوى الضحل الذي صار عليه مدرّسونا في المستويين الأساسيين، ابتدائيا وثانويا…

ولسائل أن يسأل.. لماذا مستويات بعض معلمينا وأساتذتنا ضعيفة بمثل ذلك النحو ؟.. لأنهم لم يحلموا بأنفسهم يوما مدرّسين يسدون العلم للأطفال.. لأنهم لم يحبوا مهنة المدرّس والتّدريس.. ولأنهم ليسوا مُدرّسين بالأساس.. لم يقرؤوا فن التدريس.. لم يتخصصوا في التدريس.. ولم يتخرجوا من مدارس اختصاصها تكوين المُدرٍّس.. أكثرهم يأتون مهنة التدريس من شعب مختلفة غايتهم الأولى والأخيرة الحصول على وظيفة حكومية مرتبها “مسمار في حيط” يجنون منها المال الإضافي الوفير من خلال دروس التدارك، تساندهم في هذا النقابات ذات الأذرع القوية التي لوت أذرع الإدارة في أكثر من مفاوضات…

 يقول قائل، بعد أن يقرأ ما دوّنته الإن : – وأين الحل يا حضرة الناقد لمستوى المدرّس، معلما وأستاذا، ولمستوى الدراسة في بلادنا عامة ؟.. في نظري الذي يستند إلى تجربة بلادنا في الماضي غير البعيد، أرى ضرورة العودة إلى نظام مدارس ترشيح المعلمين، تماما كما هو الشأن بالنسبة للإدارة العمومية التي أرى لها ضرورة العودة للمدرسة القومية للإدارة بتكوين كل المستويات بها.. في التعليم، لا بد لكل معلم في التعليم الإبتدائي او الأساسي أن يمر بمدرسة ترشيح المعلمين.. يدرس بها سنتين على الأقل، وبعدها يتخرج بشهادة كفاءة معلم ابتدائي وكذلك الشأن بالنسبة للأساتذة مُدرسي الإعدادي والثانوي.. وفي دراستهم التكوينية بالأساس، نعلمهم كيف يكونون مُربّين للنشإ قبل أن يكونوا مُسدي دروس.. وتقطع الدولة مع عقلية خدمة المتخرج بشهادة علمية في اي اختصاص بتشغيله في التعليم، وهو الذي ندرك جميعا انه لا يفلح فيه، على حساب التلميذ في الإبتدائي والثانوي…

 الحبيب العربي