منذ قدم الزمان، كانت الأماكن حاضنة لذكريات الأوطان، تكتب فيها قصص الأجيال وتحكى من مكان لمكان… حكايات انتقلت من الأجداد إلى الأحفاد، كل مكان بتاريخه وأسراره…

تحت شعار : “الأماكن ذاكرة وطن” وبحضور رواة من عديد بقاع العالم، نظمت الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي،  المهرجان الدولي “مغرب الحكايات” في دورته 21 بمشاركة عديد الضيوف من عدة جهات حيث فاق العدد اكثر من 180 راويا من اكثر من 40 دولة. ويعد “مغرب الحكايات” من أبرز المهرجانات التي تهتم بالتراث الثقافي اللامادي… في المغرب وخارجه.

وتميزت النسخة الاخيرة، ببرمجة خصبة ومتنوعة، ضمت بالخصوص حلقات حكواتية ومائدة مستديرة حول موضوع “الأماكن في المتخيل الإنساني العالمي”، والإعلان عن “جائزة الأوسكار لأحسن راو دولي 2023″، إلى جانب تنظيم مقهى الرواة وحلقات للسرد الحكائي وورشات تكوينية خاصة بفن الحكي.

نجيمة طاي طاي غزالي : رائدة الحكاية الشعبية

لمن لا يعرف الوزيرة السابقة.. الدكتورة نجيمة طاي طاي غزالي فهي  رائدة دولية من رواد فن الحكاية فى العالم، ناضلت كثيرا من اجل اعتراف الحكومة المغربية بجهود الرواة وتعترف بهم… حيث أصبحت لكل راو “بطاقة فنان” تسلمها له وزارة الثقافة مثلما تسلمها للمسرحيين والسينمائيين والمطربين…

حصلت «نجيمة» على الدكتوراه فى السيمائيات «علم العلامات» واهتمت بالتراث الثقافى اللامادى، خصوصا «فن الحلقة» عملت لسنوات وزيرة للتعليم العالي، وكان لها دور بارز فى محو أمية العديد من السيدات، وإدخال الحكاية لتدرس فى المدارس.

تترأس منذ أعوام المهرجان الدولي مغرب الحكايات حتى ان اسمها التصق بهذا المهرجان الذي اصبح له صيت عالمي.

مشاركة تونسية فعالة

المشاركة التونسية اقتصرت على بعض رواة الحكاية الذي تركوا انطباعات جيدة لدى المنظمين والمتلقين. لكن ما لفت نظرالجميع، اسلوب الكاتبة التونسية رجاء بن موسى، التي اصبحت توثّق الحكاية بالصورة من خلال مشاركتها بعمل مصور تحت عنوان “حكاية مغرب الأساطير” وقع عرضه ضمن الندوة العلمية التي قدمت بجامعة محمد الخامس بالرباط وهو عبارة عن رحلة الى مختلف الأماكن الأثرية بالمغرب عبر مراحل الحضارات التي تداولت عليها بحكاياتها الواقعية والخيالية وشخصياتها الأسطورية من ابن بطوطة وابن تاشفين وزينب النفزاوية ومرورا بصور المرابطين وابواب الموحدين وقصور العلويين وزوايا الشاذلية والعيساوية لتنهي بصوت المأذنة من جامع الحسن الثاني رحلة ممتعة عبر الحضارات وعادات الأهالي وحكاياتهم مع المكان…

أسلوب رجاء بن موسى تجاوز الشكل التقليدي النمطي للحكواتي لتقتحم عالم الصورة  مواكبة احتياجات الجمهور المعاصر عبر توظيف الحكاية او الخرافة لتصبح قصة معاصرة بقيمها وأفكارها وأحداثها. فالمهم بالنسبة للكاتبة التونسية رجاء بن موسى هو ادخال المستمع او المشاهد الى عالم الحكاية رغم كل التحديات المعاصرة.

وقد لاقى عملها نجاحا مميزا واستحسان الجميع بما أن من أهم أهداف المهرجان تتمحور أساساً حول إعادة إحياء ذاكرة الأماكن القديمة وتنشيط الأماكن الجديدة، وتعزيز الحكاية كمنتج ثقافي وسياحي ومحفز لجذب الزوار إلى المغرب وتعزيز الصناعة الثقافية والسياحة الثقافية والمحافظة على ذاكرة الأماكن. وهذا العمل – كما قال احد الباحثين الحاضرين في الندوة – هو منتوج ثقافي وسياحي بامتياز.

الى اللقاء في الدورة 22

ثمانية أيام كانت كافية لجعل المغرب بأغلب مدنه وقراه يعيش بين الواقع والخيال من خلال حضور رواة من كل القارات جسدوا بالكلمة والحركة والصورة التراث الثقافي في سفرة عبر الماضي .

مغرب الحكايات… واحد وعشرون دورة من الإبداع ودورة مميزة بكل المقاييس تأتي في الذكرى الـ 21 لملتقى رواة العالم.

محمد بلغيث