يعتبر الفن تلك البوصلة الدقيقة التي تهدي الاحاسيس الى النفوس الراقية الهادئة، والرسام منبع تلك الاصالة المرهفة التي تسبح في محراب النقاء والعذوبة. لقد كان لافتا حضور المرأة في أغلب اللوحات التي رصّعتها فرشاة الفنانة التشكيلية هدى بن حمودة تكريما لدورها في مختلف أوجه الحياة، باعتبار أن الفن رسالة السلام والمحبة والإخلاص لمكانة الذات النسوية في معترك نبضات الحياة أينما تجلّت صورة المرأة ومظهرها بجمالية أخّاذة، شكّلتها باقتدار لافت الرسامة متجاوزة المعايير الجغرافية والدينية لتصبح المرأة في لوحاتها كائنا كونيا لا يعترف بالنواميس والطقوس التي تحدّ من حريتها وإبداعها وعطائها اللامحدود.
لصورة المرأة في تجربة هدى بن حمودة حضور عميق يعكس برمزيته معنى الحياة والطبيعة، الأرض و الخصوبة ، الجمال والمحبة، فهي تمتاز بصفات متنوعة تمتزج مع الفكرة الفنية التي تحدد الجانب الجمالي المطروح فيها، كما أن دورها لم يتوقف عند حضورها كفكرة ورمز وصورة، بل انفلت من تلك الأطر المتعارف عليها من قبل العامة ليصبح للمرأة حضورا ذاتيا مشرقا في رسوماتها وبصمتها التشكيلية المدهشة، وهذا الأمر يحيلنا على محاولة البحث لفهم صورة المرأة في الفن والحديث، ثم دورها في النهوض به والرقي بذاتها ككيان له معنى.
تقول هدى بن حمودة عن أعمالها: “الفن التشكيلي إحساس ورغبة وثورة وإبداع، والفنان يشعر بما يرسمه حتى قبل اكتمال اللوحة، ويصل شعوره إلى السعادة والتحلّل بين تمفصلات القماشة، فأنا أعيش حالة تناغم واستمتاع مع ألواني ولوحاتي. هي بمثابة قصة عشق ألهو بها وأستمتع فتنمو علاقتنا وتنضج ليتمخض عنها عملي الفني».
في أعمال ضيفتنا حضور المرأة بارز كعالم قائم بذاته منطلقة من قدرتها كأنثى على التعبير عما يختلج نفسها من أحاسيس ومكنونات بكل صدق لونا ورؤية وإيقاعاً. تبحر التشكيلية هدى بن حمودة في عالم المرأة وقيمها الإنسانية والجمالية لتتنوع أساليبها بتنوع حركات المرأة، لكنها لم تغادر الضفاف الواسعة للمدرسة التعبيرية، فغلب هذا الأسلوب على أعمالها مُطلِقا العنان لمشاعرها لتطفو على سطح لوحاتها مع توظيف للون بطيفه الواسع وقوة تعبيره وسيلة تجسّد أحاسيسها ورؤاها بصور فنية وجمالية فاتنة وروح حداثية، كأن ينسحب الجسد في عزّه، أو أن يتحوّل الصمت إلى لغة لا تشبه إلا قِوامَ إمرأة تتداخل فيه الإلتواءات وحراك غير مسبوق وليس معلنا دون صخب.
إن لوحات الرسامة هدى بن حمودة تجاهر لوحدها عبر عيون نسائها المفعمة بالحياة تسترق دمعة و جمرا بين الحين والآخر كأنها تُخفي حُمى لوجع قديم. هذا باختزال ما تقوله لوحات هذه المرأة الفنانة، التي رسمت نفسها وعيونها، وصمتها، بتعبير عال، لتبسط فكرة حضور المرأة في فنها التشكيلي مستجمعة عوالم غارقة في الجمال والألوان والعلامات والأفكار والمجازات السردية التي تروي الواقع والحلم والجسد والفكرة، هكذا تحضر المرأة في رسوماتها، بألق وحزن، وجمال، وكأنها قادمة من أول اللغات، تؤسس لقاموس إبداعي جديد تكتبه بفرشاتها وعينيها وبقلبها الشغوف بهاجس الرسم .
جلال باباي