عدسة البيان: رياض الغربي

عن نصّ لكفى الزغبي بعنوان “عد إلى البيت يا خليل” الذي تسرد فيه حياة الظلم والاضطهاد التي يعاني منها الفلسطينيون بدءا من مذبحة دير ياسين وصولا إلى مجزرة جنين (2002) قدّم مسرح الشمس يوم الأربعاء 27 نوفمبر بقاعة الفن الرابع عمله المسرحي الموسيقي “يا طالعين الجبل” المدرج ضمن المسابقة الرسميّة لأيام قرطاج المسرحية في دورتها الخامسة والعشرين، ولأنه لا شيء تغيّر على مسرح الجريمة فقد طوّع المخرج عبد السلام قبيلات النصّ الروائي الصادر باللغة الروسية وحوّله إلى مسرحيّة غنائيّة ناطقة بالفصحى تواصل قراءة ما يحدث في فلسطين  من خلال شخصية ثريّا وسعيها لاستعادة جثمان زوجها الشهيد يوسف من بين الجثث التي ألقتها العصابات الصهيونية على أطراف الوادي، وعندما لا تعثر عليه بين الجثث تترك أبناءها الثلاثة مع شقيقتها وتتجه بحثا عنه في القرى المجاورة بعد إدراكها أن يوسف لم يُقتل… أثناء بحثها تعثر على أربعة قبور لشهداء مجهولين  فتعمد إلى نبشها واحدا تلو الآخر وتتطلّع فيها في وحشة الليل وظلمته وعندما لا تجد يوسف بينها تواصل طريقها فتتناهى إلى مسامعها قصص بطولاته في مقاومة الاحتلال… صار يوسف رمزا من رموز المقاومة وأغنية يتغنّى بها الصغار والكبار.

امتدّ العرض إلى ساعة زمنيّة طغى عليه السرد في انتقال سلس من المهارات الصوتيّة وطبقاتها إلى أداء النصّ المنطوق لنقل صورة العرض المسرحي حسب السياق الدرامي حيث تتوقّف ثريّا عند محطات حياتها مع يوسف وهما يجهّزان البيت وحديقته وأحلامهما التي رسماها للأبناء والتي دمّرها المحتلّ بوحشيّة تامّة… تسرد الكثر من الأحداث وتعود للمكان الذي انطلقت منه وتستحضر خوفها على يوسف وهو يهمّ بالرحيل للالتحاق بصفوف المقاومة عندما تفاجأه بصدد تجهيز البندقيّة وتحذّره من الخطر الذي ينتظره فيجيبها ” كلّنا معرّضون للخطر بالسلاح أو بدونه” وهو جواب يحيل على ما حدث ويحدث من آلة الحرب العمياء التي لا تميّز بين الأطفال والعجّز والمسلّح والأعزل… لا شيء تغيّر تصرخ ثريّا بصوت مبحوح ” لا أريد هذا الصباح، أريد العودة إلى الأمس… لكن كلّ الدلالات تؤدي إلى اليوم وتحيل على الغد”

وإن طغى السرد على سيرورة العرض فقد تخلّلته مونولوجات وحوارات ثنائية وأغان من التراث الفلسطيني بأصوات عذبة وموسيقى حيّة عكست جحيم المعاناة والألم والفقد الذي تعيشه عائلات الشهداء أمام صمت العالم الذي يتابع ما يحدث من خلال نشرات الأخبار. هذا العالم الذي وصفته ثريّا ب “كائنات بلا قلوب” لتصرخ في نهاية العرض “ما حدث يصعب عام واحد على تحمّله” في إشارة صريحة لطوفان الأقصى الذي بدأ في شهر أكتوبر 2023…

عرض “يا طالعين الجبل” حملته الممثّلة حياة جابر على عاتقها فكانت بطلته وصوته الموجوع الذي جسّد أصوات الزوجات والأمهات والعمات والخالات الفلسطينيات اللواتي لا زالت معاناتهن مستمرّة على مرأى ومسمع من العالم، لكن مع كلّ هذا الخسران وهذا الوجع العميق يقاومن العدوّ الغاشم وينسجن الأناشيد ويتغنّين بالوطن والكرامة والحرية وحقّ العودة.