بقلم منصف كريمي
تعزّزت مكتبات البحث الأكاديمي في تونس مؤخرا باصدار جديد بعنوان “المنشورات الرسمية لوزارة الثقافة التونسية بين 1961و1986: رصد للأثر، تحليل للمضمون ونقد للسياسات”وهو الكتاب الأول للباحث مولدي العنيزي وقد صدر عن دار سوتيميديا للنشر والتوزيع تونس وفي تصدير للاستاذ الدكتور عادل بن يوسف أستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن بجامعة سوسة
يعتبر هذا الكتاب منصة تقنية ومعرفية لجرد إصدارات وزارة الثقافة في تونس بين 1961 و1986، فهو بحث في تاريخ الأفكار والذهنيات إذا ما تعلقت المسألة بدراسة ذهنية النظام السياسي وأفكاره في تلك الفترة من تاريخنا المعاصر. فالمسألة هنا تنطلق من التأسيس في مطلع الستينات وتنتهي في منتصف الثمانينات أي أواخر فترة الحكم البورقيبي حيث لم يكن مسار الطباعة والنشر بتونس آنذاك يسيرا منذ البداية اذ لم تتحمّس السلطة والنخب التقليدية لمحاسن هذه التقنية الجديدة ومنافعها منذ بداياتها أواخر الفترة الحديثة وقد كان طرح مشكل النشر الرسمي اليوم، مرده دوافع التأسيس الأولى ومراحله التاريخية قبل إحداث المؤسسات المطبعية الرسمية والهياكل الوزارية، ودور هذه الأخيرة في عملية النشر والتوزيع من وجهة نظر مؤسسات دولة فتية أخذت على كاهلها نشر الوعي وتسويق الثقافة الوطنية.
كما أنّ ارتباط هذه المؤسسات بمجال الإعلام والأخبار يؤكد مرة أخرى ما ذهبت إليه الدول حديثة الاستقلال، من أهمية ربط فلسفة السلطة وتوجهاتها وخطاباتها بقنوات الاتصال والبث والدعاية بما في ذلك أجهزتها الإدارية الرسمية ولم تكن وزارة الثقافة بمعزل عن هذا الدور المطلوب منها في تلك الظرفية.
وقد سعى المؤلّف من خلال هذا الكتاب إلى دراسة السياسات الثقافية العمومية في قطاع النشر بشكل خاص والقطاع الثقافي بشكل عام من وجهة نظر الإكراهات السياسية والاقتصادية وتداخلها مع المبادرات الخاصة ومختلف جوانبها ومجالات اهتمامها من ناحية محتوى الإصدارات، سواء المسرحية أو السينمائية أو الموسيقية وذلك بداية من منتصف القرن العشرين إلى حدود منتصف ثمانينات القرن ذاته.
في هذا الكتاب رصد للمؤلفات الرسمية الصادرة عن وزارة الثقافة التونسية من باب الدراسات الكمية، وقد قمنا بتصنيفها وضبط أنواعها وتواترها ومجالات اهتمامها وقد اشتغل المؤلّف على تحليلها ونقدها في محاولة منه لإبراز المنزع الثقافي دون أن نهمل القراءات الأخرى ذات النزعة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ليؤكّد في هذا النطاق أنّ أيّ رصيد منجز يعبر بالضرورة عن توجهات الجهة التي أصدرته، أمّا تنوعه بين الثقافي والاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي فيعكس تبني تلك الجهة سياسات عمومية منخرطة فيما تخططه السلطة القائمة من أجل تنظيم الدولة والمجتمع، وتعتمد في ذلك على مختلف أذرعها وأجهزتها الإدارية المختلفة لتأخذ تلك الأجهزة صفة الناشر أحيانا وصفة المؤلف نفسه أحيانا أخرى.
جدير بالذكر ان مؤلّف هذا الكتاب الاستاذ مولدي العنيزي هو باحث في التاريخ الثقافي والاجتماعي وهو حاصل على الشهادة الوطنية لماجستير البحث في التاريخ الحديث والمعاصر في اختصاص “تاريخ المغرب وحضاراته” ويعد الآن لمرحلة الدكتوراه في نفس المجال كما أنه ينتمي مهنيا إلى وزارة الشؤون الثقافية حيث يشغل حاليا ومنذ سنة 2019 خطة كاتب عام المركز الثقافي الدولي بالحمامات.