بنزرت من الحبيب العربي

لعلني لا آتي جديدا حين اقول أن قطاع التحكيم في كرة القدم التونسية من اكثر المجالات المهمّشة والتي لم تنل حظها كما يجب من قِبل كل المسؤولين المتعاقبين على جامعة كرة القدم ومن الإدارات الوطنية للتحكيم على مدى عقود..

فنحن في تونس وفي اللعبة الشعبية الأولى بالذات، نركّز على اللاعب قبل كل شيء.. اللاعب إذا كان موهوبا وفاعلا فوق الميدان، نمكّنه من أعلى الأجور… أجور شهرية لا يطولها أستاذ يبني مستقبل اجيالنا.. ولا طبيب يسهر على صحتنا جميعا.. ولا رجل قانون يضمن حقوق كل الناس.. ولا مهندس أو باحث أو عالم..

اللاعب الموهوب يا سادة وحده من تجري وراءه كل الإغراءات…  

وبعد اللاعب، يأتي المدرّب من حيث الأهمية في نظر القائمين على كرتنا.. فلا يهم إن كان حائزا على أعلى الشهادات العلمية والأكاديمية بقدر ما يهم أن يكون يفهم في حسابات الكرة وفي خبث اللعبة.. ومُهم أيضا أن يكون مدركا لأساليب اللعب المتخفّي الذي تتم مفاهماته “تحت الطاولة”..

أما الحكام فهُم آخر من يمكن أن ينالوا فُتاتا من الحِظوة سواء لدى الجامعة أو الرابطات على اختلاف مستوياتها بدليل أنه لم يعد لنا حُكام أو مساعدون يحملون رايتنا الوطنية في التظاهرات القارية والعالمية مثلما كنا نفتخر بحُكّام كانوا قد مثّلونا في نهائيات الكؤوس الإفريقية وكذلك في نهائيات كأس العالم للأندية والأمم..

لماذا نحن وصلنا هذا الحد من غياب ممثلينا في المحافل الدولية ؟.. ببساطة لأننا لم نعد نركّز على التكوين بقدر تركيزنا على تسيير الأمور بأي شكل من الأشكال حتى أننا قد استسهلنا استقدام الحكام الأجانب لإدارة مباريات بطولتنا الوطنية في أهم المناسبات من عمر كل موسم..

تكوين الحُكّام يا سادة يبدأ من سن الطفولة والصّبا في مستوى الرابطات الجهوية.. والتكوين يعني ان نوفر لهم جميع الظروف الملائمة كي يتعلموا التحكيم “على قاعدة” وينجحوا فيه فيكونون فوق الميدان أسياد كل لعبة، بمعنى ان يكونوا “قضاة” نزهاء وشرفاء لا تحملهم اهواء ولا تستدرجهم إغراءات..

فكيف السبيل لتحقيق ذلك ؟..  وهل الجامعة التونسية لكرة القدم جادة في التمشّي في نهج التكوين القاعدي ؟..

الظاهر للعيان، أن بعض التوصيات قد صدرت من سنوات للرابطات الجهوية كي يقدموا على تكوين الحكام بداية من سن 14 عام..

ولكن هل هي الجامعة ومن ورائها الإدارة الوطنية للتحكيم حريصة حقا على التكوين الذي نريد ؟..

المتأمل في قوانين لعبتنا يلاحظ عدم الجدية في مشروع تكوين الحّكام.. ذلك أننا نجد جامعتنا لا توفر الظروف الملائمة للحكم الشاب المقبل على مسيرة طويلة وكبيرة في التحكيم حين يعيّنوه لإدارة مباراة بين أصناف الشبان في الجهات..

يذهب لملعب المباراة فيجد نفسه مفردا لإدارة اللقاء من أصناف الاداني والاصاغر والأواسط بتعلة ان ليس للرابطة العدد الكافي من الشبان لتعيينهم كمساعدين للحكم الرئيسي، لذلك، جماعة الرابطة يقولون له اذهب للملعب وهناك اختر اثنين من الحاضرين ليساعداك على خط التماس، لكن إياك أن تعتمد كل ما يشيران به عليك من مخالفات..

نعم، يحدث هذا في مباريات شبان رابطاتنا الجهوية.. طفل مازال لم يتعد سن المراهقة والشباب، يعينونه وحيدا لإدارة المباريات !!؟؟..

هذا فضلا عن انه يجد نفسه قبل وقت المقابلة وطيلة ردهاتها، وبعدها ايضا، يجد نفسه بلا حماية أمنية.. ولا حماية مدنية للتدخل بالإسعاف المستعجل عند الإقتضاء..

حدث هذا في رابطة الشمال ببنزرت.. ويحدث كل اسبوع في ملاعبنا.. على الرغم من صبغة الصعوبة التي تتسم بها بعض المقابلات عندما يكون الفريقان متنافسَيْن على لقب الموسم..

مثل هكذا تعيينات لاطفال في مباريات أحيانا هي حامية الوطيس، تجعل الحَكم أداؤه محفوفا بالمخاطر من كل النواحي..

وتجعل الاباء والأمهات لا يقبلون أن يتعرض ابناؤهم لفرضية الإعتداءات على اختلاف انواعها..

وكل هذا، فضلا عن عدم تمكين هؤلاء الأطفال الحكام من مستحقات إدارتهم للمباريات في الإبان..

ما هذا يا جامعة كرة القدم ؟..

ما هذا يا الإدارة الوطنية للتحكيم ؟..

نرجو ألا يتواصل تهميش قطاع التحكيم في مستوى الشبان مع التركيبة الجديدة للجامعة التونسية لكرة القدم برئاسة الأستاذ معز لناصري..

فإذا كانت الجامعة جادة في اعتبار التحكيم عنصرا اساسيا في لعبتنا الشعبية الأولى..

وإذا كانت تريد أن تصنع حُكاما في مستوى الأسماء التي عرفناها سابقا وقد شرّفت تونسنا بمشاركاتها الدولية على غرار المرحوم علي بالناصر مثلا، عليها ان تولي التكوين القاعدي للحُكّام المكانة الامثل..

وانت يا رابطة بنزرت، برئاسة محمد القوصري، وبرفقة رئيس لجنة التحكيم رياض السعدي، مطلوب منك أن تصنعي حكاما افذاذا لكرة القدم التونسية يخلفون المرحوم منجي جبالية ومحمد الغريبي وفريد الساحلي وعبد الرحمان كُشّاط وأنيس الدحام وغيرهم..

وللتذكير فقط، فقد كانت رابطة بنزرت ملاذ الجامعة في المباريات “الكبيرة”  في بطولتنا وقد كانوا حكام بنزرت في كل مرة في مستوى الثقة والجدية والأمانة…

الحبيب العربي