ليلة أمس الثلاثاء كان الموعد مع حفل اختتام الدورة العاشرة من مهرجان ليالي المدينة ببنزرت.. فماذا يمكن أن نقول عنها وعن محتواها عامة ؟ قبل البدء اقول : الشكر الموصول لهيئة جمعية مهرجان ليالي المدينة ببنزرت على تنظيمها دورة هذا العام.. دورة بُعثت من عدم مادي.. دورة تأكد تنظيمها فقط خمسة أيام قبل موعد انطلاقها في رمضان هذه السنة.. لماذا حصل هذا ؟ لأن الهياكل الرسمية التي تعودت التقدم بالدعم المالي، على غرار بلدية بنزرت لم تحترم التزاماتها مع الجمعية هذا العام، والعام الذي سبقه بداعي أن “الليالي الرمضانية” كانت متبنّاة من طرف البلدية وبعد أن صارت لها جمعية قانونية مستقلة بذاتها لم يعد أمر دورات مهرجان ليالي المدينة يعنيها لا من قريب ولا من بعيد.. وفي هذا، هي البلدية مخطئة في تقديرها لأن ليالي المهرجان تحمل اسم ليالي مدينة بنزرت في رمضان وفي غير رمضان.. وهي تنشّط المدينة في كل الحالات التي هي من شمول النظر للبلدية في كل الحالات.. والبلدية وحدها غير قادرة على التنشيط في كامل أرجاء منطقتها.. وعليه، فهي مطالبة بدعم كل الجمعيات التي تقوم بهذا النوع من النشاط..
هذا العام، وفي الدورة السابقة أيضا، هي لم تفعل!! ولو لم تتدخل المندوبية الجهوية للثقافة ببنزرت في آخر لحظة بتبنيها أهم العروض ما كان للدورة العاشرة أن تجري فعالياتها.. إذن، تحية كبرى لهيئة المهرجان التي حرصت على أن تشهد مدينة بنزرت سهراتها الرمضانية هذا العام.. تحية تقدير لمندوبية الثقافة.. تحية أيضا لصاحب الفضاء الثقافي “الماجستيك” الذي وضع على ذمة عروض هذه السنة قاعته الأنيقة وذات التجهيزات الضوئية والصوتية المتميزة.. تحية للمتطوعين من الناشطين في هذه الدورة بدون مقابل.. ثم تحية للقلة القليلة من إعلاميي الصحافة المكتوبة، ورقيا وإلكترونيا، من مدينة بنزرت الذين واكبوا العروض..
البرمجة : جاد الفقير بما اجتهد فيه.. في حديثنا عن برمجة هذا العام وما جاء فيها من فقرات، يمكن القول أن إهمال لجنة البرمجة للنشاط الشارعي أمر تجب مراجعته.. إذ الإكتفاء بعشر سهرات في فضاء مغلق، سينمائي بالأساس، لا يشجع كل سمار ليالي رمضان على الإقبال على العروض.. يقولون ان الأمر يتعلق، فيما يتعلق، بضمان بعض مداخيل “للكاسه”.. أقول : لو أنهم أعدوا برمجتهم قبل أشهر قليلة لأمكنهم التوصل إلى إبرام عقود استشهار مع مؤسسات تؤمن بالعمل الثقافي ولاستطاعوا بيع اشتراكات بعنوان الدّورة كاملة.. في هذا هم مقصّرون، وعليهم من الآن وبعد فترة راحة قصيرة الإنكباب على ضبط برنامج نشاط سنوي، وليس في رمضان فقط، إذ المهرجان اسمه ليالي المدينة وليس ليالي رمضان..
آخر العروض.. أفضلها.. برنامج دورة رمضان 2023 نال المسرح منها نصيب الأسد حيث تمت برمجة خمس سهرات مسرحية وجميعها كانت في مستوى طيب من حيث القيمة الفنية.. وقد كتبنا تعاليقنا عليها قبل هذا اليوم.. السطمبالي لمحمد علي التواتي كان ممتازا حيث رحل بنا الثنائي دالي وأحمد هاني في حكايا ماضي علاقاتنا بالشعوب الإفريقية وفي سرد رواية بحث بوسعدية عن ابنته سعدية التي اختطفوها من بلدة طمبوكتو بمالي وباعوها في سوق العبيد بكرّاكة غار الملح لثري من الساحل التونسي.. وأما عن سهرتي اختتام الدورة المختتمة ليلة أمس فقد كانتا صوفيتين بامتياز حيث تألقت مجموعة “تخميره” بعرضها “بنزرت بلادك يا المسطاري” بقيادة الفنان يسري مقداد.. عرض “تخميرة” غصت القاعة بالمتفرجين عليه وقد كان المستوى الفني للعرض جيدا جدا حتى أننا تذكرنا خلاله المستوى الراقي لعرض “الزياره” لسامي اللجمي قائلين: لو توفرت الإمكانيات ليسري مقداد لربما كان سيفوق عرضه مستوى “الزياره”.. فبرافو مجموعة “تخميرة” ولو أن لي اعتراضا على التسمية هكذا، إذ ليس من المعروف عن البنزرتيه أن يتخمروا على إيقاع الأغاني والأناشيد الصوفية التي كانت تنشد في زواياط أولياء الله الصالحين.. الإخراج والكوريغرافيا المعتمد في العرض الذي شاهدناه يحتاجان الى المراجعة في بعض تفاصيلهما.. واما العرض الختامي ليلة أمس للثنائي مهدي العياشي ومحرز خليل فيمكن القول أنه جمع بين فنانين يشتركان في كونهما لم يأتيانا بإنتاجهما الخاص حيث كلاهما ردد علينا أغاني السابقين، بما فيها الأغنية التراثية، على وقع آلات موسيقية تجمع بين التقليدي كالطبل والبندير والدربوكه وبين العزف على الكمنجة والأورغ معدِّل كل الأوزان.. بطبيعة الحال، عازفو الفرقتين كانوا جميعا بمستوى جيد.. وأما ما لا يلتقي فيه نجما السهرة فهو نمط أداء مهدي عياشي المختلف عن نمط محرز خليل.. ولقاؤهما معا في حفل واحد جعل الحاضرين ذوي الحس المرهف في الموسيقى لا يستسيغون أداء كل منهما بالنحو الذي قرّراه حيث سعى الإثنان لأداء الأغنية الصوفية ثم عقباها بالمالوف، مجالهما، واختتما الوصلة في كل مرة بالأغنية الطربية لصبّاح فخري وطلال مدّاح وحتى أم كلثوم مرورا بالأغنية التونسية القديمة نسبيا.. خلاصة القول بالنسبة لعرض السهرة الختامية أن محتواها كان جيدا من حيث أداء الفنانيْن وقوة صوتيهما لكن ليس بهذا النحو يأتي الجمهور ليحضر عروضكما بشبابيك مغلقة..
المسابقة الحدث.. لعلني لا أبالغ في شيء حين أقول أن عرض المسابقة في فن الإضحاك أو اللعب الكوميدي كنا نريد أن يقول الأكاديميون في المسرح كان العرض المفاجأة السارة.. هي سهرة ليلة الثلاثاء الماضي التي شارك فيها 6 ممثلين شبان، أربعة منهم متعودون على التمثيل واثنان صعدا الركح أمام الجمهور لأول مرة.. فكرة برمجة المسابقة طيبة جدا وهي التي تمثل فرصة للكثيرين كي يبرزوا مواهبهم في الترفيه عن المتفرج من خلال إضحاكهم وليس التهريج أمامهم.. سهرة الإضحاك ترشح لها 11 شابا وشابة ولم يتقدم منهم للعرض إلا ستة للتنافس فيما بينهم على الجائزتين الأولى والثانية بتخصيص 10 دقائق لكل مشارك… وما يمكن ملاحظته أن نصوص ما تم تقديمه كانت ضعيفة الى حد ما بما يعني أن العارضين ارتجلوا أو اجتهدوا في التأليف دون الرجوع لأساتذة مسرح ربما.. لجنة التحكيم في هذه المسابقة تألقت من السادة محمد بركاتي، عبد الرؤوف الساحلي والحبيب العربي.. المشاركون الستة هم أمل العبيدي، ياسمين بن حموده، غيث الهيشري، حسين الأديب، آدم الرياحي وأنيس الخشيمي.. فاز بالجائزة المالية الأولى حسين الأديب وبالجائزة المالية الثانية أنيس الخشيمي.. ألف مبروك للمتفوقيْن وحظا أجمل لباقي المترشحين.. ختاما نقول أن مسابقة ليلة أول أمس يمكن البناء عليها لتنظيم مسابقات قادمة في مختلف المناسبات تبدأ بمترشحين من ولاية بنزرت وتنتهي بالموهوبين من مختلف جهات الجمهورية في مرحلة لاحقة.. الحبيب العربي.