عززت حركة “إم 23” اليوم الأربعاء سيطرتها على مدينة غوما شرق الكونغو الديمقراطية، بينما طالبت واشنطن بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الرواندية من المنطقة.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه مع تراجع حدة المعارك الليلة الماضية، لم يكن من الممكن رؤية سوى مسلحي حركة “إم 23” – التي توصف بأنها مدعومة من رواندا  – والقوات الرواندية في شوارع غوما.

من جهتها، قالت وكالة رويترز إن الهدوء ساد معظم مناطق المدينة اليوم باستثناء وقوع إطلاق نار على نحو متقطع في بعض الأماكن النائية.

ونقلت الوكالة عن سكان أنهم يسمعون من حين لآخر إطلاق نار، مرجّحين أنه يأتي من مواقع مجموعات متحالفة مع الحكومة تسعى لمنع تقدم المتمردين.

وكانت الحركة الكونغولية المتمردة أكدت الأحد الماضي سيطرتها على غوما، وهي عاصمة مقاطعة شمال كيفو.

وفي وقت سابق، أفادت مصادر متطابقة بدخول مسلحي حركة “إم 23” غوما وسيطرتها على المطار، بعد معارك أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم عناصر من القوات الأممية، وفق حصيلة رسمية أعلنتها سلطات كينشاسا.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ممثل رواندا في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية فانسان كاريغا قوله اليوم إن الحركة ستسيطر -على الأرجح- على مزيد من الأراضي شرقي الكونغو الديمقراطية وستتقدم أكثر في البلاد.

وقف القتال والانسحاب

وخلال جلسة طارئة لمجلس الأمن في نيويورك الليلة الماضية، دعت دوروثي شيا القائمة بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء هذا القتال في منطقة شرق الكونغو.

كما طالبت رواندا بسحب قواتها من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقالت إنه يتعين على البلدين العودة إلى طاولة المفاوضات والعمل نحو حل سلمي دائم.

ولم تحدد دوروثي الإجراءات التي تدعو بلادها لاتخاذها، ولكن مجلس الأمن يمكنه فرض عقوبات على الأطراف المتهمة بتأجيج الصراع في المنطقة.

من جهته، أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتصالا مع الرئيس الرواندي بول كاغامي عبر فيه عن قلق بلاده العميق من التصعيد العسكري شرق الكونغو الديمقراطية، مشيرا بالخصوص إلى ما يجري في غوما.

وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس اتصالا مع كاغامي والرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي سعيا لاحتواء التصعيد الحالي.

وكان من المنتظر أن يجتمع تشيسكيدي وكاغامي اليوم الأربعاء في إطار قمة استثنائية لمجموعة شرق أفريقيا تستضيفها كينيا، لكن وكالة الأنباء الكونغولية أكدت أن تشيسكيدي لن يشارك في المحادثات الرامية لاحتواء الصراع.

اتهامات لرواندا

واتهمت الكونغو الديمقراطية رسميا جارتها بإرسال قوات إلى غوما لدعم المتمردين ونهب الثروات الطبيعية بالمنطقة، وردت رواندا بأن القتال الجاري هناك يهدد أمنها، دون التعليق بشكل مباشر على إذا ما كانت قواتها موجودة في الكونغو.

وخلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، طالبت وزيرة الخارجية الكونغولية ثريس كاييكوامبا فاغنر بالانسحاب الفوري للقوات الرواندية من بلادها، ووقف الاشتباكات، وفرض عقوبات على المسؤولين الروانديين.

كما طالبت فاغنر بفرض حظر على الأسلحة، ووقف شراء الموارد الطبيعية الرواندية، وإلغاء وضع رواندا دولة مساهمة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر -الأحد الماضي- بيانا طالب فيه قوات “إم 23” بوقف الهجوم على غوما، داعيا لانسحاب “القوات الخارجية” من المنطقة فورا.

وأول أمس الاثنين، قال رئيس عمليات حفظ السلام الأممية جان بيير لاكروا إن القوات الرواندية تدعم المتمردين في غوما.

وأفادت تقارير بانتشار الجثث، واكتظاظ المستشفيات بالمصابين، ووقوع أعمال نهب واغتصاب، بينما فر الآلاف خارج المدينة.

وقد استسلم ما لا يقل عن 1200 من قوات الحكومة الكونغولية ولجؤوا إلى قاعدة للقوات الأممية، بينما اتجه عشرات الجنود إلى رواندا.

ويبلغ عدد سكان غوما مليون نسمة، وكانت تضم نحو 700 ألف نازح داخلي قبل التصعيد الأخير، وهي غنية بالموارد الطبيعية، وتقع على ضفاف بحيرة كيفو على الحدود مع رواندا.

وكان قد تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في الماضي الماضي، ولكنه لم يصمد طويلا.

وسبق أن احتلت “إم 23” غوما لفترة وجيزة أواخر عام 2012 قبل أن تهزمها القوات الكونغولية والأممية العام التالي، ولكن هذه الحركة عادت للظهور عام 2021 واستولت على مناطق واسعة بالكونغو الديمقراطية.

الحرب والذهب والتاريخ.. ما هي حركة “إم23” في الكونغو الديمقراطية؟

يتصدر اسم حركة مسلحة التقارير المتعلقة بالقتال الدامي في الكونغو الديمقراطية منذ أيام. فقد سيطرت حركة 23 مارس ( المعروفة اختصاراً: إم23) على مناطق واسعة شرق البلاد واستولت على مدن كبرى ومطارات وباتت قوات حفظ السلام الدولية في هذه المناطق في مأزق.

وحركة “23 مارس” هي أحدث حلقة في سلسلة من حركات التمرد التي تقودها عرقية التوتسي في الكونغو بدعم من رواندا بعد الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا قبل 30 عاما عندما قتل متطرفون من عرقية الهوتو أفرادا من عرقيتي التوتسي والهوتو حتى أطاحت بهم قوات تقودها عرقية التوتسي بقيادة الرئيس الرواندي بول كاجامي.

وتقول رواندا إن بعض الجناة المطرودين يختبئون في الكونغو منذ الإبادة الجماعية وشكلوا ميليشيات متحالفة مع حكومة الكونغو وتشكل تهديدا لعرقية التوتسي في الكونغو ولرواندا نفسها. وترفض الكونغو اتهامات رواندا، وتقول إنها استغلت حلفاءها من المسلحين لنهب المعادن الثمينة.

تقع الكونغو الديموقراطية في وسط إفريقيا وهي غنية بالذهب ومعادن أخرى مثل الكوبالت، وهو عنصر رئيسي في صناعة البطاريات عالية الجودة المستعملة خصوصا في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.

واتهمت الكونغو الديموقراطية رواندا بشن الهجوم للاستفادة من المعادن الوفيرة في المنطقة، وهو ما يدعمه خبراء الأمم المتحدة الذين يقولون إن كيغالي لديها آلاف الجنود في الكونغو الديموقراطية و”تسيطر فعليا” على حركة إم2.

ويوجد في إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو حيث تتقدم الحركة عدد من مناجم المعادن، ويشكل الصراع على السيطرة على الموارد الوفيرة في الكونغو أحد أسباب الصراع في شرق البلاد شاسعة المساحة. وتشمل هذه الموارد معدن الكولتان الذي يستخدم في الهواتف الذكية.

ورغم موجة من النشاط الدبلوماسي، بما في ذلك إبلاغ الولايات المتحدة رواندا بأنها “منزعجة بشدة” بسبب سقوط جوما في أيدي مقاتلي 23 مارس، هناك دلائل متزايدة على أن المتمردين يضطلعون بإدارة مدينة جوما.

وقال الجيش الرواندي الأحد إن أكثر من 280 “مرتزقا” من رومانيا يقاتلون إلى جانب القوات الكونغولية استسلموا لحركة إم23 في مدينة غيسيني الحدودية. وقال أحد الرومانيين لوكالة فرانس برس، مكتفيا بذكر اسمه الأول إميل، “لم نكن في ساحة معركة، بل كنا هنا للتدريب والمساعدة في مجال المدفعية”.

وقالت مصادر من الأمم المتحدة ومسؤولون روانديون إنهم مرتزقة كانت تستأجرهم حكومة الكونغو. وكان كثيرون منهم يحملون جوازات سفر رومانية. وقال أحدهم إنه روماني وكان في غوما منذ نحو عامين. وبعد تفتيشهم، صعد المرتزقة إلى الحافلات وانطلقوا بعيدا.

ومع استحواذ المتمردين المدعومين من رواندا على مزيد من الأرض في العامين الماضيين، لجأت الكونغو إلى شركات عسكرية خاصة لمحاولة تعزيز دفاعاتها، وفق وكالة رويترز، لكن المرتزقة لم يبدوا مقاومة تذكر حين زحفت حركة 23 مارس إلى غوما يوم الاثنين.

واشنطن تطلب من موظفيها مغادرة الكونغو الديمقراطية

طلبت وزارة الخارجية الأمريكية، الأربعاء، من موظفيها بجمهورية كونغو الديمقراطية، بمغادرة البلاد بسبب تزايد أحداث العنف فيها.

وقالت الوزارة في بيان إنه “بسبب زيادة النزاع المسلح والإرهاب وعمليات الاختطاف في البلاد، تم إصدار أمر لجميع موظفي الحكومة الأمريكية غير المضطرين للبقاء بمغادرة البلاد مع أسرهم”.

واندلعت احتجاجات في العاصمة كينشاسا، على خلفية الاشتباكات في مدينة غوما شرق البلاد، بين قوات الأمن وحركة “إم 23”.

ومنذ بداية العام الجاري، نزح أكثر من 400 ألف شخص بسبب الاشتباكات العنيفة المستمرة بين حركة “إم 23” وقوات الأمن شرق البلاد.

وبعد أن سيطرت على العديد من القرى والبلدات في المنطقة، فرضت حركة “إم 23” مؤخرا حصارا على مدينة غوما.

وحركة “إم 23” تعرف أيضا باسم “جيش الكونغو الثوري” وتأسست بعد انهيار اتفاق السلام الموقع في 23 مارس 2009، ومعظم أفرادها من قبيلة “التوتسي” التي ينتمي إليها الرئيس الرواندي بول كاغامي.

وتتهم الأمم المتحدة وجمهورية الكونغو الديمقراطية رواندا بدعم حركة “إم 23″، وهو ما تنفيه الأخيرة.