بنزرت/الحبيب العربي..
صابة هذا العام استثنائية بكل المقاييس والإستثناء فيها، للأسف الشديد، ليس إيجابيا بالمرّة..
فقد اجتمعت عوامل سلبية عديدة خلال الموسم الفلاحي الحالي أهمها العنصر المناخي الذي أثر سلبا على المنتوج العام وكذلك احتكارات بعض الخواص المتداخلين في العمل الفلاحي بسعيهم لربحهم المتزايد على حساب الفلاحة والفلاّح وعلى حساب الأمن الغذائي عامة..
بطبيعة الحال، الفلاح لم يسكت عن كل ما تعرض له من ممارسات أعاقته في عمله كما أنه كثيرا ما نبّه، ومازال ينبّه، الى تأثيرات العوامل المناخية السلبية على الصابة عامة..
ودائما، لا أذن صاغية ولا تجاوب من الأوساط الرسمية حتى لطمأنة الفلاح ولو بالقدر القليل..
ومن بين المطالبين باستمرار بضرورة تقدير الدولة لواقع الفلاح في ولاية الجلاء نجد النقابة الجهوية للفلاحين ببنزرت التي استضفنا رئيسها الفلاح عماد وعضور وكان لنا معه الحوار التالي :
• قبل الخوض في صابة هذا العام وما رافقها من عيب النوعية على الخصوص، حدّثنا قليلا عن حال العلّوش ونحن قبل أيام فقط من عيد الأضحى..
– هذا العام، شهدنا نقصا ملحوظا في عدد رؤوس الخرفان مقارنة مع الأعياد السابقة.. وهذا ما جعل سعر الكيلو الواحد يرتفع بثلاثة دنانير مقارنة بسعر العام الماضي، حاليا 18 د.. وهذا يعود الى تراجع أعداد الماشية بنسبة تقدر ب33 % بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف بقدر مهول اولا، ثم بسبب الجفاف الذي رافق موسمنا الحالي.. دون أن ننسى عدم توفر مادة الشعير في السوق “القانونية” مقابل توفرها في اسواق موازية بضعف سعرها القانوني وأحيانا أكثر.. مساحات الرعي تقلصت كثيرا حتى أن المربي ما عاد بإمكانه العثور على مساحات خضراء لمواشيه..
كل هذا جعلنا كنقابة وطنية للفلاحين نطالب الدولة بأن تقوم هي بتبنّي إنتاج أعلاف مواشينا محليا.. وبالتالي تشجيع الفلاح على قيامه بذلك حتى لا نحتاج للتوريد الذي يتمعّش منه البعض على حساب الدولة والمجموعة الوطنية.. كذلك، نحن نطالب الدولة برسم خارطة فلاحية تأخذ بعين الإعتبار خصوصيات كل جهة طبيعيا ومناخيا، إذ ليس من المعقول ان نجد تربية المواشي في جهات ليس بها أعلاف.. انظروا الى سعر “بالة القرط” كيف هو في بنزرت لا يزيد عن 17 دينارا عند الفلاح وكيف هو يرتفع الى أكثر من 30 د. حين وصوله الى ولايات الساحل والجنوب..
• وماذا عن صابة الحبوب في هذا العام ؟.. الدولة تعوّل على ولاية بنزرت دون غيرها من الولايات الأخرى المجاورة، باجة وجندوبة وسليانة والكاف..
– معلوم ان الموسم الفلاحي الذي سبق الصابة كنا قد سجلنا فيه نقصا كبيرا في مياه الأمطار.. وبالتالي الولايات المعروفة عادة بصابتها القياسبة مثل الشمال الغربي وزغوان صابتها هذا العام دون المأمول بالقدر الكثير لتبقى إلا ولاية بنزرت التي تغطي صابتها نسبة 71 % من مجموع المحصول..
• وماذا عن تأثير أمطار شهري ماي وجوان من هذا العام على الصابة ؟
– تأثيرها كان سلبيا جدا على نوعية حبّة القمح خاصة حيث لاحظنا إصابة الكثير منها بالتفرقع وبالإنبات في الساق بما يجعلها عند التعيير أقل قيمة مالية عند إيداعها بمركز تجميع الحبوب التي ضبطت بها الدولة سعر 140 دينارا للقنطار الواحد إذا كان سليما معافى، ومع العيبين المذكورين، نتوقع أن ينخفض السعر الى نحو 90 د او 100 د في أفضل الحالات، وعليه نحن، كنقابة فلاحين، كاتبنا والي بنزرت ومندوب الفلاحة بها ووزير الفلاحة ورئيسة الحكومة كي يتفهموا جميعا قسوة الطبيعة على الفلاح صاحب الزراعات الكبرى، وهو أمر خارج نطاق كل فلاح، وألا يعتمدوا عند تعيير الحبوب التفرقع والإنبات في ساق السنبلة الناتجين عن تهاطل الأمطار بكثافة في الأسابيع الأخيرة بعد أن بلعت حبة القمج مرحلة النضج والحصاد، بما يعني أن الامر خارج نطاقنا بالمرة.. أضف لهذا، الدولة أعلنت افتتاح موسم الخصاد في ولاية بنزرت يوم 8 جوان الجاري، ونحن كنقابة حبّذنا لو أن الإنطلاق في الحصاد تأخر بأسبوعين حتى تكون الرطوبة المناخية أقل من 14 درجة..
• بالمناسبة، وأمام شحّ الماء، ما حال الزراعة السقوية في ولاية بنزرت هذه الصائفة ؟
– في بلادنا عامة وفي بنزرت خاصة، نحن نحمد الله على تسجيلنا بلوغ نسبة امتلاء السدود ثلث طاقتها العادية.. وعليه، فنحن نعلم أن مثل هذه الكمية لابد من تخصيصها لمياه الشرب أولا وبعد ذلك نتحدث عن السقوي في إنتاجنا الفلاحي.. حيث نطالب الدولة باعتماد أساليب أخرى في توفير مياه الري في المناطق ذات الإنتاج الأوفر على الخصوص حيث لابد من تركيز الكثير من محطات تصفية المياه المستعملة وتحويلها الى مياه زراعة وحيث صار لزاما على دولتنا تركيز وحدات تحلية مياه البحر في مناطقنا الساحلية حتى يقبل الفلاح أكثر على طول الشريط الساحلي على الزراعات السقوية وعلى زراعة الأعلاف وتربية الماشية دون التأثر بالعوامل المناخية في كل موسم فلاحي..
• وأخيرا، ماذا تقول النقابة التونسية للفلاحين للدولة التونسية ؟
– نقول لها يا دولتنا الموقّرة نريد منك اعتبار الفلاحة ركيزة اقتصادية أساسية في بلادنا.. لابد من تصنيف وزارة الفلاحة كوزارة سيادية ذات اولوية في السياسات والتخطيطات على غرار وزارة الداخلية مثلا حيث ان الأمن العام والأمن الغذائي أساسيان لاستقرار البلاد وشعبها.. وآخر ما يمكننا قوله للدولة أيضا، دعمّي الفلاح ووفري له أسباب العمل المريح كي ينتج أكثر خضروات وسمكا ولحوما وحبوبا وغلالا من شمال البلاد الى جنوبها ونحن نعد بمواصلة حب هذا الوطن وبمزيد التعلق بالأرض التي سنجعلها بعون الله مِعطاءة أكثر..
الحبيب العربي.