“شكرا جمعية مهرجان ليالي المدينة ببنزرت على تمكيننا من حضور مسرحية رائقة كهذه”..
بهكذا تعليق قال لنا أحد المتفرجين القلائل الذين حضروا مسرحية story by story ، حكاية تروي حكاية، لمركز الفنون الدرامية والركحية بباجة ليلة الخميس 6 أفريل الجاري.. المسرحية كانت خفيفة الظل عموما وأسلوب حياكتها شد الجمهور في الفضاء الثقافي الماجستيك ببنزرت.. وقبل أن نعلق على هذه المسرحية، دعوني اتحدث عن مهرجان ليالي المدينة في بنزرت في دورته العاشرة هذه التي انطلقت يوم غرة أفريل وتتواصل لحد 18 من نفس هذا الشهر..
الولادة القيصرية.. دورة هذا العام لم يتقرر تنظيمها إلا خمسة أيام قبل انطلاقها، وهذا لأن الجمعية برئاسة زمرده شتوان التي أعدت برنامجها منذ نحو شهرين لم تجد من يدعمها بالمال أو العروض.. بل إنها وجدت التغاضي من بلدية بنزرت التي وُلد في أحضانها المهرجان.. موقف البلدية من مهرجان ليالي بنزرت يطرح أكثر من سؤال حتى أن البعض مازال يعتقد أن الثقافة ومعها الرياضة هما من آخر اهتمامات البلدية.. المنقذ الوحيد لدورة هذا كانت مندوبية الثقافة ببنزرت التي منحت الجمعية بعض المال ودعمتها ببعض العروض بما جعل أمر التنظيم يتقرر أياما قليلة فقط قبل سهرة الإفتتاح يوم أول افريل الجاري..
عشر سهرات.. وللمسرح نصيب الأسد.. برنامج هذا العام يضم عشر سهرات وقد طغى المسرح على عروضه بحساب النصف حيث يجد الكهول والأطفال ضالتهم في ما يُقدم.. شباب الهواة أصحاب الإنتاجات الثقافية المتنوعة لهم نصيب هم أيضا في برمجة هذا العام فضلا عن عرض السطمبالي ليلة الثلاثاء المقبل، 11 أفريل، بقيادة الفنان والباحث في مجاله محمد علي التواتي.. عروض هذا العام أرادت لها هيئة الجمعية أن تكون بالتذاكر، وتذاكرها تتراوح بين 5 د. و15 د.بغاية البحث عن مدخول إضافي يخفف من حدة المصاريف، في غياب المستشهرين الذين لا نراهم إلا في المهرجان الدولي ببنزرت في كل صائفة..
حين يحضر مركز باجة ويغيب مركز بنزرت ؟؟!!!.. يوم الندوة الصحفية التي عقدتها هيئة مهرجان ليالي المدينة ببنزرت قبل ثلاثة أيام من العرض الاول لبرمجتها، أعلمنا رضا الغربي مقدم برنامج الدورة أن لمركز الفنون الدرامية والركحية بباجة عرض بمسرحية story by story.. سألناه وهل لمركز الفنون الدرامية ببنزرت نصيب في الدورة العاشرة من هذا العام ؟.. قال : كل العروض التي برمجناها في دورتنا هذه، أصحابها عبروا لنا عن رغبتهم في تقديم إنتاجهم من قبل أن نضبط البرمجة النهائية.. وهذا ما يجعلنا نحن كإعلاميين نفهم مرة أخرى أن مركز بنزرت للفنون الدرامية والركحية ليس له إنتاج جديد يتقدم به والجانب الإتصالي لدى إدارته شبه منعدم، إذ يبدو انه شديد الإرتباط بالوزارة وبهياكل أخرى بالعاصمة أكثر من ارتباطه بهياكل الثقافة في بنزرت.. بما جعله يعمل في صمت، إن كان له عمل، بعيدا عن معظم رجال الثقافة والإعلام في الجهة..
Story by story مسرحية ناجحة في الجملة.. ليلة السادس من أفريل الموافق ل15 رمضان، كان الموعد مع عرض أول وآخر إنتاج للكهول أنجزه مركز الفنون الدرامية والركحية بباجة منذ تأسيسه في سبتمبر 2019.. العرض يحكي طرحا ثقافيا يشغل بال الملاحظين والمعايشين للواقع الثقافي في بلادنا حيث تراجع الإقبال على الشأن الثقافي بقدر كبير مقارنة مع ما كان عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. الصبغة التجارية والمسحة النفعية والإنتفاعية طغتا على واقع الفعل الثقافي من يوم أن قالت الدولة أنه بإمكان الخواص الإستثمار في مجال الثقافة.. الخواص أعجبوا بالفكرة وأقبلوا على الإستثمار لكن بالقدر الذي يخدم مصلحتهم.. فهم لا يقبلون على مشاريع غير ناجحة أو غير ذات ربح يعود لماليتهم، وبالتالي هم أنتجوا وساهموا في أنتاج أفلام سينمائية مثلا، تبنّوا بعض الفنانين ذوي الإنتشار المعلوم الذي يريدونه، ولكنهم في المقابل أهملوا مجال الهواية في الثقافة عامة.. بما جعل دور الثقافة والشباب لا رواد فيها من الشباب إلا بالقدر القليل.. قصة المسرحية تحكي عن فضاء ثقافي في جهة ما من بلادنا أسسته صاحبته لينعم به الفنانون وذوو المواهب، وبعد 30 عام من النشاط، ظهر مالكه الأصلي الذي يريد استعادته ليقيم على أنقاضه مركزا تجاريا يقبل عليه الناس بكل مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية للتزود منه بما يحتاجون.. ظهور هذا المالك يدخل صاحبة الفضاء، وهي زوجته السابقة، في صراع معه وهو خريج السجون الذي لا علاقة له بالشأن الثقافي لا من قريب ولا من بعيد.. المسرحية تنتهي برسالة تبعث بها صاحبة الفضاء الثقافي لكل من له صلة وعلاقة بالثقافة داعية إياهم ألا يفرطوا في الفضاء الثقافي خاصة وفي الثقافة عامة راجية منهم أن يصمدوا في وجه التيار الجارف الذي يهد الثقافة والمثقفين في صالح التجار والسماسرة والجاهلين لروح الفن والثقافة والمسرح وما إلى ذلك.. فكرة المسرحية هي جميلة وتناولها الركحي كان طيبا بفضل مهارة المخرج بشير بوعلي ومساعده حمزه عاشور والفريق الفني المرافق لهما وكذلك بفضل الكفاءات العالية للممثلين الذين شدوا المتفرجين، على قلتهم، إليهم.. الأضواء عملت جيدا.. والركح كان مستغلا بأكمله طيلة العرض والإلقاء كان جيدا.. فقط أتساءل لماذا هو العرض بدون ميكروهات للممثلين والحال أن المؤثرات الصوتية كانت تعمل.. كما أتساءل لماذا اختار المؤلف أن تكون هناك بين لوحات العرض لوحتان يتحدث فيها الممثلون بالعربية الفصحى فيما كانت باقي اللوحات باللهجة العامية التونسية غير المتكلفة.. وآخر ما أتساءل بشأنه لماذا العنوان بالأنقليزية story by story؟!..