من ميزة شهر الصيام أنه شهر يبعث في نفوس الصائمين، وحتى غير الصائمين إحساس الغني بحال جاره وقريبه المفتقد لذات اليد فيتحرّك بداخله الواعز الإنساني في أبهى مظاهره لينسى احتياجه وضيقه هو إن كان له ضيق فيدخل يده في جيبه ويتكرّم بما استطاع إليه سبيلا.. فهذا يدفع مالا ولو بالقدر القليل.. وذاك يشتري ما أمكن حسب حاجة المحتاج.. وثالث يتكفل بمصاريف وأتعاب أو تبنّي لفرد او حتى لعائلة بأكملها.. وفي كل هذا قمّة الكرم الإنساني تجاه الآخرين، ضعاف الحال.. وكل هذا لا يأتي من عدم، بل هو ترضعه الأم الطيبة والحنون لطفلها منذ الصغر ويربّيه عليه الأب أو الولي منذ نعومة الأظافر.. وهنا أذكر المرحومة والدتي كيف كانت تصطحبني معها للسوق بين اليوم والآخر وانا الطفل الذي لا يزيد سني عن الأعوام القليلة.. تظل ماسكة بيدي حتى لا أضيع منها في الزحام.. وكلما رأينا متسوّلا أو متسوّلة على الرصيف أو تحت الحائط، تسحب حافظة نقودها.. تسحب منها قطعة نقدية بخمسة أو عشرة مليمات وتمدّني إياها ثم تقول لي : اذهب الى ذلك الرجل أو تلك المرأة المسكينة وناولها ما قدّرنا ربّي على دفعه لها.. أذهب سريعا باتجاه السّائل وأنا مسرور.. أمدّ الصدقة لصاحبها فأسمع منه “بارك الله فيك.. يعيّش ولدي”.. ثم أعود لأمي سعيدا جدا بما فعلت.. وفي البيت، عند الغداء، وحين أسمع أحد المتسولين ينادي بأعلى صوته: حويجه لله يا أحباب ربّي.. أقفز من مكاني حاملا صحن طعامي وأخرج به إلى السّائل.. أدخله سقيفة الدّار قائلا له : تفضل، هذا غداؤك اليوم.. أمي أو أبي، تلتحق بي وتزيده ما يشبعه ثم تناوله “دورو” أو “عشرة فرنك”.. هكذا هي كانت حكايتي مع التبرع بما أقدر عليه منذ الطفولة والصبا.. وهكذا اعتقد جازما كيف تولد فينا وتنمو ملكة الإحساس بالآخر، حتى لو كان غريبا عنا.. والذين نراهم اليوم يقومون بأعمال التطوع والتبرع لفائدة الآخرين، هم قطعا تربّوا على رؤية أوليائهم لا يتردّدون لحظة في مدّ يد الدّعم والمساعدة للفقير والمسكين ولذلك نحن نراهم اليوم، في رمضان الكريم وفي غير رمضان.. في كل المناسبات الدينية على الخصوص يعطون من مالهم ويبذلون أقصى مجهودهم لإسعاد من هم بحاجة لذلك.. ففرحة المحتاج بمال او لباس أو أثاث أو حتى أدوات مدرسية بمناسبة العودة المدرسية لا تضاهيها فرحة..
في منزل بورقيبة: ختان 200 طفلا.. في مدينة الفولاذ، منزل بورقيبة، من ولاية بنزرت، جماعة من أهل الخير، يتزعمهم فلاح ورجل أعمال، السيد رمزي الهمامي، عاهدوا الله وأنفسهم في كل عام، ومنذ جائحة كورونا على الخصوص، على أن يأخذوا بيد البعض من المحتاجين بين المناسبة والأخرى شاكرين فضل الله على ما حباهم به من إمكانيات وساعين إلى رد جميله من خلال عملهم الخيري تجاه المحتاجين والمساكين.. وأكثر ما شجّعهم على فعل الخير والأخذ بيد المحرومين هو أعلى هرم السلطة المحلية ممثلة في المعتمد، السيد زياد حرز الله، الرجل الميداني كما المكتبي الذي نراه في كل التظاهرات التي تجمع “المنازلية”.. ففي هذه الأيام من شهر الصيام، نراه كل يوم في سوق “من المنتج الى المستهلك” على امتداد ساعات النهار يرحب بالحرفاء ويحرص على سلامة التجار المنتصبين هناك شاهدا على الأسعار التفاضلية لكل المنتوج الإستهلاكي المعروض بما في ذلك الموز والتفاح، مرفوقا برئيس الإتحاد المحلي للإيتيكا، السيد فوزي البجاوي.. وآخر ما بلغنا من جماعة الخير أنهم بصدد ختان حوالي 200 طفلا من أبناء العائلات المعوزة في معتمديات غزالة وجومين وسجنان.. وحتى نقف على العملية بتفاصيلها تحدّثنا بشأنها إلى الناشط المجتمعي رمزي الهمامي فقال :
بعد نجاحنا في توفير 1100 قفة للمعوزين في النصف الأول من رمضان وتقديم 300 نصيب من لحم العجول لثلاثمائة عائلة محتاجة، مررنا إلى ختان الأطفال حيث انتفع بهذه الخدمة المجانية كاملة 48 طفلا من معتمدية غزاله و50 من معتمدية جومين الى جانب 65 بين معتمديتي سجنان وتينجة.. وجميع هؤلاء الأطفال، مكناهم من لباس الطهور التقليدي كاملا مع مساعدة نقدية..
وفي هذه العملية، حري بنا أن نشكر الطاقم الطبي وشبه الطبي بقسم الجراحة A يتقدمهم مدير المستشفى وكل الإطارات العاملين معه.. مع الشكر الموصول للدكتور الهمامي من القطاع الخاص المتطوع هو الآخر وللشركة الجهوية للنقل التي وفرت لنا حافلات لنقل الأطفال وأوليائهم إلى المستشفى بتخفيض في الكلفة بلغ 50 %..
وفي مدينة بنزرت :ختان 110 أطفال.. في مدينة بنزرت وفي أحد محلات التمريض القريبة من المنطقة الحرة، حضرت يوم الأحد حفل ختان 110 أطفال جاؤوا من لواته ومنزل بورقيبة ومنزل عبد الرحمان وسجنان وجرزونة والبحِيرة وبرج طالب والعالية والناظور وغزالة وسيدي البشير وجومين.. كانت السيارات والشاحنات رابظة أمام المحل منذ ساعات الصباح الأولى.. محل التمريض فتح أبوابه عند الساعة السابعة والنصف صباحا ليستقبل أطفال المناطق البعيدة.. داخل غرفة “الطهارة” أطباء ثلاثة من القطاع الخاص وهم د.الطاهر مقداد ود.فؤاد بن عثمان ود.إيمان بن صالحة مرفوقين بأخصائية التبنيج السيدة هاجر الحداد والممرضات سهام الخميري وسنيا الدريدي وسنيا طاقة وفاتن بوديّه وصبرين حداد.. والمعاونة لطيفة علاّل.. نظمت هذا الحفل ودعت إليه، كما كل عام، الناشطة الجمعياتية السيدة وسيلة النفزاوي بمعية سامية الصفاقسي.. يذكر أن كل طفل يتم ختانه يتحصل على زي “الطهارة” التقليدي بجميع مكوناته مع مجموعة لعب ووصل شراء مواد غذائية بقيمة 30 د. يذكر أيضا ان كل مصاريف وكلفة الحفل الختاني هي من تبرعات عديد التجار وأصحاب محلات بيع الملابس واللعب.. حتى أحد باعة الذهب ساهم في الحفل.. ربنا يبارك لهم صنيعهم جميعا الحبيب العربي.