« جربة: شاهد على نمط تعمير في مجال ترابي جزيري »، ذلك هو عنوان الملف الفني الذي اقترحته الجمهورية التونسية لتسجيل « جزيرة جربة » على لائحة التراث العالمي لليونسكو والذي سيناقش خلال اجتماع لجنة التراث العالمي في دورتها 45 بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية من 10 إلى 25 سبتمبر 2023.
ونظّمت وزارة الشؤون الثقافية لهذا الغرض حفل استقبال، بالمتحف الأثري بقرطاج مساء الاثنين، على شرف سفراء دول شقيقة وصديقة معتمدين بتونس ورؤساء بعثات ديبلوماسية، بحضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي ووزير السياحة والصناعات التقليدية محمد المعز بلحسين وكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج منير بن رجيبة، تمّ خلاله عرض الملف الفني المقترح لترسيم جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي لليونسكو.وألقت وزيرة الشؤون الثقافية كلمة بالمناسبة تحدّثت فيها عن ملف ترشيح الممتلك الثقافي « جربة: شاهد على نمط إعمار في مجال ترابي جزيري » للإدراج على لائحة التراث العالمي، كانت تقدّمت به تونس سنة 2021. وأكدت على أهمية العناصر المكوّنة لهذا الممتلك المتسلسل والذي يتألف من 31 عُنصرا ويعكس تخطيطا عمرانيا جزيريا استثنائيًا، تطوّر خلال الفترة الفاصلة بين القرن العاشر والقرن الثامن عشر.
وأبرزت الوزيرة أن هذا النمط من الإعمار يعدّ مرآة للمعتقدات الدينية وللتنظيم الاجتماعي لِسُكّانها، مشيرة إلى أن الشواهد المادية على هذا النمط من الإعمار غدت مُعرَّضةً للخطر ومُهددة بالاندثار بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المناخية.وأكدت أن مجلسا وزاريا انعقد بتاريخ 21 جويلية 2023 خُصّص لتدارك النقائص الواردة بالتقرير التقييمي لخبراء المجلس الدولي للمعالم والمواقع والاتحاد الدولي لصون الطبيعة، الصادران أواخر جوان 2023، مع اتخاذ كل الإجراءات وتقديم كل الضمانات والتعهدات ورسم خارطة طريق لتأطير جهود الهياكل والأطراف المتدخلة لدعم الملف.
وأضافت أنه وتبعاً لذلك قام أعضاء اللجنة الفنية والعلمية التي أعدت الملف بمشاركة فريق من الخبراء المنتمين إلى مختلف الهياكل المتداخلة والأطراف المعنية على المستوى المركزي والجهوي والمحلي بإعداد تقرير فني مفصل للإجابة على كل التحفظات المضمنة بتقرير خبراء المجلس الدولي للمعالم والمواقع والاتحاد الدولي لصون الطبيعة. وأكدت على أهمية إدراج جربة على قائمة التراث العالمي، مبرزة أن من خلال هذا الاعتراف الدولي الرسمي بالقيمة العالمية الاستثنائية لتراث جربة، سيتمّ المحافظة على هذا التراث الثقافي الفريد الذي هو بصدد الاندثار وتعزيزه للأجيال القادمة.
وذكّرت حياة قطاط القرمازي بمبادرة تونس منذ سنة 1975 بالمصادقة على اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972، والتي تمكّنت على إثرها تونس من تسجيل 8 مواقع مُصنّفة تراثاً عالمياً منها موقع طبيعي وهو الحديقة الوطنية بإشكل و 7 مواقع ثقافية وهي مدينة تونس ومدينة سوسة ومدينة القيروان مدينة كركوان البونية والمدرج الروماني بالجم وموقع دقة الأثري والموقع الأثري بقرطاج.
ممتلك ثري يحوز على 31 عنصرا فريدا
من جانبها، قدّمت مديرة مركز علوم و تقنيات التراث بالمعهد الوطني للتراث حميدة رحومة عرضا مفصّلا عن الملف الفني لترسيم جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي، وهو ملف يحمل عنوان « جربة: شاهد على نمط تعمير في مجال ترابي جزيري ». وقالت إن هذا الممتلك الثقافي المفتوح للتسجيل يعتبر من صنف الممتلكات المتسلسلة. ويتكون من وحدات سكنية ترتكز على منظومة « الحومة/المنزل »، وهو نمط سكني يمتد على كامل المجال الجزيري باستثناء السواحل غير المأهولة بالسكان.ويتألف هذا الممتلك من 31 عنصرا منها 7 مواقع هي “تملال” و”خزرون” و”صدغيان” و”قشعيين” و”مجماج”، وهي مواقع ذات سكن متفرق، إلى جانب الموقعين الحضريين حومة السوق والرياض (الحارة الصغيرة) و24 معلما منها 22 مسجدا وكنيسة ارثودكسية ومعبد الغريبة اليهودي. وتكمن الاستثنائية العالمية لجزيرة جربة، وفق الأستاذة حميدة رحومة في كونها تعكس تخطيطا عمرانيا جزيريا استثنانيا، تطور خلال الفترة الفاصلة بين القرن العاشر والقرن الثامن عشر ميلادي في مجال يتميز بندرة الموارد المائية وسياق أمني غير مستقر وشاهدا على طريقة استغلال المجال بالجزيرة وإعمارها من قبل مجتمعات من ثقافات وأديان مختلفة كان عليها أن تتعايش من أجل البقاء. ولاحظت أن الجزيرة عملت بأكملها كنظام اجتماعي واقتصادي واحد يشترك في المجال الحضري والريفي ويعتمد على تكامل الأنشطة الاقتصادية، وهو يعدّ مرآة عاكسة للمعتقدات الدينية وللتنظيم الاجتماعي لسكانها .
معيار تقدير القيمة العالمية استثنائية
وينسجم ملف إدراج جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي وفق المعيار الخامس من المعايير العشر لتقدير القيمة الاستثنائية التي على أساسها تدرج منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم « اليونسكو » مواقع معينة على قائمة التراث العالمي. ويُقصد بالقيمة الاستثنائية العالمية « الأهمية الثقافية أو الطبيعية التي تتجاوز الحدود الوطنية، لتصبح أهمية مشتركة للأجيال الحاضرة والمقبلة للبشرية جمعاء، بحيث تكون الحماية الدائمة لهذا التراث أهمية قُصوى لدى المجتمع الدولي بأسره، وتتولى لجنة مختصة وضع معايير تقدير القيمة العالمية الاستثنائية للممتلكات، فإذا استوفت معياراً واحداً على الأقل أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي ».
وبحسب الأستاذة حميدة رحومة، فإن جربة تقدّم نموذجا بارزا لمجموعة بشرية تقليدية ولأسلوب تقليدي في استخدام الأراضي وفي نمط تعمير المجال الترابي في بيئة جزيرية وفي استغلال البحر، وهو ما يمثل شاهدا استثنائيا على التفاعل الذكي بين الإنسان وبيئته، مشيرة إلى أن الشواهد المادية على هذا النمط من الإعمار قد غدت معرضة للخطر ومهددة بالاندثار بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المناخية المتسارعة.وهو ما أقرّه أيضا المجلس الدولي للمعالم والمواقع والاتحاد الدولي لصون الطبيعة في تقريرهما التقييمي الذي تم نشره موفى جوان 2023، حيث جاء في التقرير أن الممتلك المقترح لإدراج ملف « جربة: شاهد على نمط تعمير في مجال ترابي جزيري » يحتوي على قيمة عالمية استثنائية ثابتة وأن اختيار المعيار الخامس لتصنيفه يعتبر الأنجع.ولضمان فرص أكبر لتسجيله على لائحة التراث العالمي لليونسكو، تعهّدت تونس بتوفير الحماية القانونية لكل العناصر المكونة للممتلك الثقافي من خلال العمل على استصدار قرارات حماية بالنسبة إلى المعالم التاريخية وإنشاء مناطق مصونة للتجمعات الريفية والحصرية والبدء في صياغة أمثلة الصيانة والإحياء ( مجلة حماية التراث الفصل (6) وقد تعهّدت وزارة الشؤون الثقافية بدعوة اللجنة الوطنية للتراث للانعقاد لعرض الملفات على أنظارها قبل موفى شهر ديسمبر 2023.
كما تمّ عقد عدة اجتماعات على المستوى المركزي ببادرة من وزارة الشؤون الثقافية لتحسين منظومة الحوكمة وإيجاد الهياكل اللازمة لإدارة الممتلك واتخاذ إجراءات عاجلة لصون العناصر المكونة.