بنزت من الحبيب العربي
لا يختلف إثنان في القول أن جمعية صيانة المدينة ببنزرت واحدة من أعرق وأهم الجمعيات المدنية في ولاية بنزرت، فإلى جانب مهمتها المتمثلة أساسا في صيانة وتهذيب كل ما هو أثر في بناءات المدينة العميقة على الخصوص، تولت منذ عقود قليلة توثيق تاريخ بنزرت القديم والحديث من خلال الندوة التاريخية التي تنظمها سنويا… ندوة خلفت مؤلفات وكتبا عديدة هي من الأهمية بمكان.. ثم إن جمعية صيانة المدينة ببنزرت تنظم ندوات ولقاءات تجمع محبّيها بأسماء بارزة في مجالات العلم والهندسة المعمارية والتراث والاثار والاقتصاد وما إلى ذلك.. وآخر ما نظمته محاضرة للصحفي والإعلامي الكبير سفيان بن فرحات بمناسبة تظلّم جمهورية أفريقيا الجنوبية لدى محكمة العدل الدولية بلاهاي ضد الكيان الصهيوني الذي يقوم حاليا بالإبادة العرقية للشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفة الغربية…
المحاضرة حملت عنوان “الإبادة الجماعية في غزّة : قضية الإنسانية بأسرها”.. سفيان بن فرحات كان مرفوقا بالصحفية، آسيا عتروس، وكلاهما متابع جدي لتطورات القضية الفلسطينية قي صراعها الوجودي مع إسرائيل، بل إن سفيان بن فرحات كان له شرف حضور جلسة المرافعات في محكمة لاهاي من بين 30 صحفيا وإعلاميا يومها… وبقدر ما كانت المحاضرة قيّمة وذات إفادة دقيقة لجمهور الحاضرين الذين غصّ بهم الطابق العلوي للفضاء الثقافي والسياحي بمتحف الحوت بسيدي الحٍنّي، بقدر ما كان التفاعل مع القضية الفلسطينية كبيرا…
سفيان بن فرحات كان لبقا في خطابه ودقيقا في المعلومات التاريخية التي استشهد بها كما كان خفيف الظل رغم طول محاضرته، وكان من بين الحضور أحد ممثلي السفارة الفلسطينية في تونس، الأستاذ معتصم أبو راس، إلى جانب ممثل السلطة الجهوية في بنزرت المعتمد الأول حبيب الخورشاني ومندوب الثقافة فوزي بن قيراط…
في هذه المحاضرة تم التأكيد على أن ما تقوم به القوة الإسرائيلية الغاشمة في غزة حاليا هو إبادة جماعية وليس رد فعل كما يروّج له الصّهاينة.. والإبادة الجماعية هي أكثر وأكبر من جريمة حرب لأنها تستهدف البشر والإنسانية بقطع النظر عن أسبابها.. كما تم التذكير بأنه لم تكن هناك للصهاينة أرض او وطن، بل هم جاؤوا بهم من مختلف بلاد العالم ووطّنوهم في فلسطين بعد أن هجّروا أبناءها الفلسطينيين سنة 1948 إلى البلاد الأجنبية.. وهاهم الآن يعيدون جرمهم التهجيري للغزّاوين إلى خارج غزّة بداعي القضاء على المقاومة.. لكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك…
“جوق المالوف والموسيقى التونسية والعربية”
فشكرا لرئيس جمعية صيانة المدينة ببنزرت، الأستاذ الجامعي والدكتور صفوان بن عيسى على تنظيمه وجمعيته هذه المحاضرة القيّمة.. جوق المالوف والموسيقى.. الوظيفة الثانية التي يبدو أن جمعية صيانة المدينة ببنزرت قد حمّلت نفسها إياها هي وظيفة المحافظة على الموروث الثقافي والفني والموسيقي من خلال إحداثها “جوق المالوف والموسيقى التونسية والعربية”… الجوق هو عبارة عن نادٍ تابع للجمعية تم التأسيس له يوم السبت الماضي، 17 فيفري 2024، بمقر الجمعية بدار سيدي جلّول.. وقد حضر كشاهد على التأسيس مندوب الثقافة، الأستاذ فوزي بن قيراط، والموسيقي الكبير مربي الأجيال في مادة العزف والغناء وأداء المالوف، خليل حفحوف.. البادرة جديرة بالتنويه والإشادة بها لأن المالوف في بنزرت كاد يندثر بعد أن كان مزدهرا زمن المندوب الجهوي للثقافة حافظ عيسى مؤسس نادي “الكونسارفاتوار” الجهوي ببنزرت.. فبنزرت كانت رائدة في المالوف بدليل تألق نادي خميّس ترنان سابقا أيام إدارته من طرف المرحوم جلّول ترنان والموسيقي الكبير المرحوم عبد الدائم بن صالحة حيث كان هذا النادي يحصد الجوائز في كل مسابقة تنظمها مهرجانات تونسية على غرار مهرجاني تستور والمنستير للمالوف او مهرجانات الجزائر والمغرب ومصر وما إلى ذلك…
الجوق الجديد لجمعية صيانة المدينة ببنزرت انطلق يوم السبت الماضي وسيتواصل نشاطه عشية كل سبت في دار سيدي جلول حيث ستكون أبوابه مفتوحة لكل من له حب للمالوف والموسيقى التونسية والعربية… وحسب المؤشرات الأولية فإنا نتوقّع له النجاح وسيكون له شأن كبير على الساحة الفنية الجهوية والوطنية..
الحبيب العربي
عدسة مجدي بن حمادي الطرابلسي