كتب زميلنا وصديقنا الإعلامي القدير والروائي علي الخميلي نصا نحسب أنه يجد مكانا لنشره وللوقوف عنده خاصة أنه يتعلق بمعضلة تجاهل المثقف عند المحن، مثلما حصل للأديب إبراهيم الدرغوثي، ننشره لعلّ وعسى يجد الرجل ما هو أهل له في وقت شدته، مع أملنا بتجاوزه المرض والعودة إلى سالف حويته وصحته…

بقلم: علي الخميلي

الروائي الكبير ابراهيم الدرغوثي في المستشفى العسكري…ولكن لم كل هذا التأخير…….؟؟؟….

كنت أنوي ومنذ فترة غير قصيرة، الكتابة عن الأديب الكبير والروائي القدير الأستاذ إبراهيم الدرغوثي، الذي أعرفه عن قرب، وأدرك نقاء سريرته، كما أدرك عمقه في تناول الأشياء والظواهر وأيضا الأحداث السياسية والإجتماعية وذلك في أشكال إبداعية متعددة، حيث بدأ شاعرا، وكتب القصة القصيرة ومثلها الطويلة وحتى البرقية، وكتب للأطفال، كما كتب الرواية حتى أصبح من أعلامها الكبار الذين نالوا الجوائز الكثيرة، وأصبحوا من المراجع المشعة في العالم العربي، كما تمت ترجمة أعماله إلى لغات متعددة، فضلا عن تناولها في أطروحات جامعية مهمة جدا.

كنت أنوي ذلك، غير أنّ بعض المشاغل الأخرى، ومنها التي نصحني بها هو نفسه ذات يوم بإحدى دورات مهرجان الشعر الوطني بالمتلوي، مؤكدا لي عدم التردد في مزيد التوغل فيها، وأعني بها كتابة الرواية، كما شجعني كثيرا على عدم التوقف كلما جاء مخاض فكرة ما، تنبثق من الواقع المعيش بكل إرهاصاته وتناقضاته، قبل إنجازها لتصبح عملا إبداعيا يضيف للمكتبة الروائية أو القصصية بتونس وخارجها، ويثريها بما يمكن أن يخلّد على جبين الدهر، على حدّ قوله، ومرحّبا بي كروائي ينتظر مني الكثير، وهذا أمر عادي بالنسبة للمبدع الكبير إبراهيم الدرغوثي، ولا نجده كثيرا في ساحتنا الأدبية التي تعددت فيها أشكال الإحباط والعرقلة والتهميش، كما في عدد آخر من القطاعات الثقافية عامة وغيرها.

كنت أنوي فعلا ذلك، قبل أن أجد نفسي متألّما جدا لما أدركه هذا الأديب الكبير، من مرض، كان بالإمكان علاجه منذ البدايات، قبل استفحال هذا المرض بالشكل الذي وصل إليه، من تدهور كبير، دون تدخل السلطات الثقافية وغيرها، في الوقت المناسب، متجاهلة تشريفه للبلاد والثقافة التونسية في عديد المحافل العربية والدولية، وغير مبالية لحجمه كعلم كبير من الأعلام التونسية، كانت آثاره الإبداعية خالدة ومازالت وستظلّ.

توقف الأمر في البدايات على ما يمتلكه المستشفى من إمكانات بسيطة، بموطنه الذي نشأ فيه، بمدينة أم العرائس الشامخة بتاريخها الثقافي والنضالي، لمحاولة علاجه، دون أن تسارع وزارة الثقافة بالتدخل، والتي من المفروض اهتمامها وعنايتها بكل أهل الثقافة، وبأمثال هذا العلم المتألق البارز، قبل دعوات المثقفين على مختلف شرائحهم، وإطلاقهم صرخة الفزع المدوية، التي أجبرت الوزارة على التدخل وبشكل متأخر للغاية، لنقله إلى المستشفى العسكري بالعاصمة، تونس، قبل تعرضه في الأثناء إلى جلطة ثانية أعاقت الأمر واكتفى الأطباء بالدعوة في مرحلة أولى إلى نقله إلى مستشفى حسين بوزيان بمدينة قفصة العريقة دائما، حيث أقام فيه، لعلّ إمكانات العلاج والرعاية تكون فيه أفضل، رغم أن أمر هذا المستشفى، بل مختلف مستشفيات الجهات المهمشة مثلها، يثير أكثر من شكّ، لعدم توفر ما يجب توفره بالشكل الطبيعي ولا الراقي.

وشاءت الظروف، بسبب تدهور الحالة من جهة، وما يفتقره مستشفى قفصة من إمكانات إلا أن يتحول اليوم فقط (الأربعاء 26 جويلية الجاري) إلى المستشفى العسكري بتونس، وهو في وضع صحي مرهق للغاية، لتكون بعض الأطراف ومنها وزارة الثقافة قد وفت بما وعدت، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا تأخرت في التدخّل، حتى تتدهور حالة الأديب الكبير والعملاق إبراهيم الدرغوثي، بمثل هذا الشكل، ويبقى متأرجحا خلال الفترات الأولى ولأسابيع بين مستشفى أم العرائس ومستشفى قفصة، والحال أنه وبحكم إشعاعه وصيته بالعالم العربي ومنه بدولة الإمارات والجزائر على سبيل الذكر ولا الحصر، لسارعت دائرة الثقافة بالشارقة مثلا بالتدخل ونقله إلى أكبر المصحات أو المستشفيات بالعالم المتقدم، لو سمعت بالخبر خاصة أنه محل تقديرها كثيرا، كمبدع عربي كبير، وكإنسان نقيّ وثابت ومميز، وهو ما وقفت عليه شخصيا، وتابعته في أكثر من مناسبة، والتي كان نال أكثر من جائزة من جوائزها العربية المهمة، كما تم تكريمه في أكثر من مناسبة.

لو كان المبدع المميز والكبير، إبراهيم الدرغوثي، فنانا أو منشطا من فناني ومنشطي هذا الزمن الرديء، أو بوقا لأحد الأحزاب، أو ما شابه ذلك، مثل وزراء المحاصصات الضيقة والصدف، لوجد العناية والإهتمام منذ اليوم الأول، أما وهو أديب كبير ومميز ومتألق، فالأمر لا يهمّهم، بقدر ما يهمّ التاريخ الذي سوف لن يخجل أمام الوضع الصحي المتأزم، للمبدع القدير إبراهيم الدرغوثي، في رمي كل متجاهل لما أدركه، بمزبلته، وتسجيل تواطئه مع اللامبالاة والجهالة، لأنه ليس من المعقول ولا المقبول أن يبقى أديبا في حجم إبراهيم الدرغوثي، دون معالجة جدّية، ومنذ البدايات، بأحد أكبر مستشفيات البلاد، إلّا عندما اشتد به المرض الذي فرّخ أمراضا أخرى..؟..

أديبنا إبراهيم الدرغوثي، لن يخذله أصدقاؤه ومحبّوه، بما فيهم الأطباء والممرضون وغيرهم في تونس وفي العالم العربي، وسيبقى كالنخل واقفا حيّا يرزق بإذن الله، وسيعود إلينا سليما ومتحديا كل أمراضه، ومستجيبا لرغبة الكتابة فيه، ليزيد في إبداعاته التي انتشرت في العالم، وأصبحت من المراجع المعتمدة، طالما أنه قوي بإرادته، ونقيا في مبادئه وثوابته، ومميزا في كتاباته التي ستتدفق أكثر فأكثر، وستثري المشهد الإبداعي العالمي ولا العربي فقط.

فاللهم احفظ أديبنا العملاق إبراهيم الدرغوثي من كل مكروه، وأعده لنا سليما، يا رب… اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية عاجلًا غير آجل، وشافِه وعافِه، يا أرحم الراحمين.