لا يجب أن تتحول الخلافات السياسية بين الحكومات إلى خلافات في الرياضة وتنتقل إلى الجماهير.. فالمعلوم ان الرياضة هي التي توحد الشعوب وكثيراً ما لعبت كرة القدم دورا أساسيا في توطيد العلاقات بين الدول المتنازعة، فهي رسالة سلام وليست رسالة حرب، لكن ما حدث في مباراة اتحاد العاصمة الجزائري ونهضة بركان المغربي هو أمر مرفوض. الجزائر والمغرب بلدان مهمان والفريقان لا علاقة لهما بتوجهات ورؤى الحكومات.
وللعلم فإنها ليست المرة الاولى التي تتسبب فيه خريطة المغرب في أزمة بين البلدين ففي النسخة الاولى لبطولة “كأس العرب” التي قررتها “الفيفا” في قطر هددت الجزائر بمقاطعتها بسبب نشر خريطة المغرب كاملة.
كما قاطعت الجزائر اجتماع جمارك منقطة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بسبب استخدام نفس الخريطة من طرف السلطات المغربية التي تحتوي على الصحراء الغربية.
كما انسحب الوفد الجزائري من “المؤتمر القومي حول التحول الرقمي لتطوير مؤسسات الضمان الاجتماعي” في تونس احتجاجا على ما أسماه غياب حدود واضحة للصحراء المغربية…
… يعني أن هذه الخريطة أصبحت مصدر ازعاج بين البلدين وتنبئ بعواقب وخيمة على المنطقة.
وقصة ارتباط كرة القدم بالسياسة قصة قديمة ظهرت منذ عقد الثلاثينيات لما قررت بريطانيا إرسال المنتخب الانقليزي لكرة القدم إلى منافسات كأس العالم في روسيا، دون أن يكون مرافقا بوفد رسمي، هو مثال آخر لتدخل السياسة الدولية في كأس العالم، التي عرفت مقاطعات أخرى أو اقصاءات مثلما اشارت اليه قناة “بي. أف. أم. تي. في.” الفرنسية التي تطرقت إلى تاريخ أحداث مشابهة، تعرضت لها منافسات سابقة كأس العالم، وهي تتراوح بين المقاطعة أو اقصاء فريق لأسباب سياسية.
المأساة النمساوية سنة 1938
كان المنتخب النمساوي لكرة القدم من أفضل المنتخبات الأوروبية خلال الثلاثينات، عندما كان المنتخب الإيطالي بطل العالم. وقد ترشحت النمسا إلى كأس العالم التي نظمتها فرنسا سنة 1938، بعد أن أزيح النمساويون من نصف نهائي الدورة السابقة. ولكن النمساويين لن يذهبوا إلى فرنسا، إذ اجتاحت ألمانيا النازية النمسا وضمتها إلى أراضيها، وضم المنتخب الألماني عناصر عدة من المنتخب المحلي، لكن النمساوي ماتياس سيندلار رفض تقمص الزي الذي حلم النازيون بأن يلبسه.
إبعاد ألمانيا في 1950
بعد الحرب العالمية الثانية قسمت المانيا إلى قسمين: ألمانيا الشرقية بنظام اشتراكي وألمانيا الغربية بنظام لبيرالي، وبسبب الذاكرة القريبة والحية بشأن الحرب العالمية، لم يسمح لألمانيا واليابان بالمشاركة في أدوار مقابلات الترشح إلى المنافسات التي احتضنتها البرازيل سنة 1950.
مأزق مع كوريا الشمالية والاتحاد السوفياتي في 1970 و1974
في سنة 1970 رفض نظام كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية مواجهة الفريق الإسرائيلي، خلال مباراة من أجل التأهل بسب خلافات سياسية، وبالتالي لم تتسن لكوريا الشمالية المشاركة في نهائيات كأس العالم التي جرت في المكسيك.
وفي سنة 1974 أعيد السيناريو ذاته تقريبا، ولكن هذه المرة مع منتخب الاتحاد السوفياتي، الذي كان يتعين عليه الفوز على نظيره الشيلي، حتى يفتح له ذلك الطريق إلى نهائيات كأس العالم في ألمانيا الغربية. ولكن في سنة 1973 انقلب أوغوستو بينوشيه على الحكومة الاشتراكية الشرعية التي يقودها سلفاتور ألياندي في الشيلي، فرفض الاتحاد السوفياتي لعب مباراة العودة ضد الشيليين، وغاب عن مواصلة المسيرة الرياضية للمنافسات.
أصوات نادت بالمقاطعة في 1978
كانت سياسة أمريكا اللاتينية والسياسة القمعية التي أثارتها إحدى دكتاتورياتها تغذي يوميات كرة القدم، وتاريخ كأس العالم التي جرت في الأرجنتين، وكان السؤال المطروح لعدد من الدول: هل يتعين الذهاب إلى الأرجنتين أم لا؟
قبل سنتين من ذلك التاريخ أمسك الجنرال فيديلا بالحكم في بيونس أيرس، وارتكب النظام تجاوزات عدة من أجل تشديد قبضته على السلطة، فتعالت في أوروبا أصوات تدعو على مقاطعة منافسات كأس العالم في الارجنتين، وعدم إضفاء الشرعية أوإعطاء ضمان لنظام جورج فيديلا، ولكن في نهاية الأمر نجت الأرجنتين من الإهانة الدولية. في تلك الأثناء ظل نجم كرة القدم الهولندي يوهان كرويف في كتالونيا، تاركا زملاءه يواجهون خسارة أمام أصحاب الأرض في النهائي، وبعد ثلاثة عقود من ذلك التاريخ، أوضح كرويف أنه لم يلتحق بزملائه بسبب تعرضه لمحاولة خطف سنة 1977، وأنه رفض الابتعاد عن أهله، وبالتالي هو لم يقاطع تلك المنافسات.
2024 قميص “نهضة بركان” يفجّر بركانا
لم تقم المباراة التي كانت مقررة بين اتحاد الجزائر لكرة القدم حامل اللقب وضيفه نهضة بركان المغربي مساء يوم السبت، في ذهاب الدور قبل النهائي من بطولة كأس الاتحاد الإفريقي بعدما تمسك نادي نهضة بركان باللعب بقمصانه التي أتى بها من المغرب وهو ما رفضته السلطات الجزائرية التي رأت في قمصان النادي المغربي استفزازا لكونها تظهر شعارات سياسية لاحتوائها على خريطة جغرافية للمغرب تضم أراض الصحراء الغربية.
وسمحت لجنة المسابقات بالاتحاد الإفريقي للنادي المغربي باللعب بالقمصان موضوع احتجاج النادي الجزائري الذي طعن في هذا القرار الذي أيدته لجنة الطعون بالكاف.
وقال توفيق قريشي، المدير الرياضي لنادي اتحاد الجزائر إنه جرى توفير بذلتين بديلتين بنفس المواصفات الأصلية من لون إلى أسماء اللاعبين وتم وضعهما في غرف تبديل ملابس نادي نهضة بركان الذي رفض النزول إلى أرضية الملعب.
وكشف قريشي، أن اتحاد الجزائر سيطعن في أي قرار محتمل “غير منصف” للكاف لدى محكمة التحكيم الرياضي الدولية في غضون المهلة القانونية المحددة بـ 10 أيام، مشددا على ضرورة احترام لوائح كاف والفيفا التي تمنع إظهار الشعارات والرموز السياسية على أقمصة اللاعبين.
كما أبرز أن موضوع سفر الفريق إلى المغرب للعب مباراة العودة هو بيد إدارة نادي اتحاد الجزائر والسلطات الحكومية.
وفي انتظار ما سيقرره الاتحاد الإفريقي للعبة في الساعات القادمة، يفترض أن تقام مباراة العودة الأحد المقبل بالمغرب.
وتشهد علاقات البلدين أزمة دبلوماسية متواصلة منذ قطع الجزائر علاقاتها مع الرباط صيف العام 2021، متهمة الأخيرة باقتراف “أعمال عدائية” ضدها، في سياق النزاع بين البلدين حول الصحراء الغربية.