قبل قليل، صادفتني بالفايسبوك تدوينة كتبها احد أصدقائي ممرن في كرة القدم..  هو استاذ رياضة متخرج من المعهد العالي للتربية البدنية بقصر السعيد منذ سنوات..  في سنّه يمكن القول انه كهل، وفي مظهره يبدو شابا رياضيا أنيقا… هو حاليا ممرّن اول في جمعية ذات مكانة في ولاية بنزرت…

منذ أن عرفتُه، عرفت فيه الهدوء والرّصانة إلى جانب دماثة أخلاقه، ما ساعده على النجاح في كل تجاربه السابقة مع جمعيات تولّى فيها مهمة التدريب حيث كان يعرف كيف يحتوي لاعبيه إنسانيا على الخصوص وكيف يؤمّن التوليفة في كل تشكيلة أساسية في كل مباراة..

وأسلوبه هذا في التسيير الفني جعله يحقق النتائج الإيجابية في كل موسم حتى أنه حقق الصعود لأكثر من فريق وفي أكثر من موسم..

هذا المدرب الذي اعتذر لكم من الآن عن عدم ذكر اسمه، قرأت له تدوينة بالفايسبوك هذا المساء وهو غاضب من رئيس جمعية منافسة لجمعيته التي تلعب في هذا الموسم من أجل تحقيق الصعود..  هذا الرئيس، سبق له في الصائفة الماضية أن اتصل بالممرن موضوع بطاقتنا هذه وطلب منه أن يدرّب فريقه مقترحا عليه أجرا رفيع القدر وامتيازات أخرى عند تحقيق أي فوز..

ولما كان فريق هذا الرئيس بعيدا عن مقر ومحيط إقامة الممرن المطلوب، اعتذر هذا الأخير بكل ادب..  واعتذاره يبدو أن الرئيس لم يقبل به..

فريق المدرب يحتل طليعة الترتيب بينما فريق الرئيس وراءه متخلفا عنه ببعض الأطوال..

وفي الايام الأخيرة، وخلال مباراة استضاف فيها فريق الرّئيس فريق الممرن الذي رفض عرضه في صائفة العام الماضي.. هذا الرئيس، استغل تلك المباراة ليكلف فيها مسؤولا في هيئته المديرة ظل طوال الوقت يكيل الشتائم والسّباب للممرن موضوع بطاقتنا هذه قبل انطلاق اللعب، وأثناء شوطي المباراة.. وما بينهما.. ذاكرا والدته بأبشع النعوت..

وكل هذا طبعا لأنه رفض تدريب فريقهم في الموسم الذي قارب إنهاء مرحلة الذهاب..

لا تسألني عن نتيجة المباراة فليست مهمة بقدر خطورة الإعتداء الذي حصل..  المسؤول المعتدي كان واقفا خلف الحاجز الحديدي للميدان، بين بعض أنصار فريقهم، وصوته مسموع بالصوت العالي ومعروف من الجميع.. حدث هذا تحت انظار طاقم التحكيم ومسؤولي الفريق المحلي ولا أحد حرّك ساكنا أو حتى حاول تهدئة المعتدي على شخص الممرن وعلى الأخلاق الحميدة..

قد يقول بعضكم أن ما حدث لهذا الممرن هو امر عادي يحدث كل اسبوع في ملاعب كرة القدم وفي قاعات الألعاب الجماعية في كامل بلادنا..

بل إن الأمر يتجاوز أحيانا العنف اللفظي ليصل حد الإعتداء الجسدي..

وتلك هي أجواء فضاءاتنا الرياضية عموما منذ أن فارقنا متعة الهواية ودخلنا معظلة الإحتراف في رياضاتنا..  ولكن لا..  لكأنني بمن يقول ان مثل هكذا اعتداء هو عادي أنه يبحث عن تبريرات لكل اشكال العنف ويشرّع له بصفة آلية..

لا يا ناس..

لا يا عالمنا الرياضي..

لا يا مجتمعنا المحافظ في أصل تربيته..

لا بل مجتمعنا ذا الاصول الأخلاقية العالية وذا القيم الإنسانية التي ورثناها ابا عن جد منذ قرون من الزمن..

ألم يعلمونا في المدرسة الإبتدائية وفي الثانوي أن الرياضة تحابب وتقارب بين الجمعيات وانصارها ؟..  وأن الرياضة أخلاق أو لا تكون ؟!..

ألم يقولوا لنا في صغرنا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أن الإنضمام لجمعية رياضية هو تمام كالإنضمام لمؤسّسة تعليمية ؟!..

ألم يقولوا لنا أيضا أن الجمعيات الرياضية هي مدارس كذلك.. وكل مدرسة تصقل مواهب المنخرطين فيها وتصنع منهم ابطالا في المستوى المحلي يسعدون انصارهم وفي المستويين الوطني والدولي يشرّفون الراية الوطنية ؟!..

فأين نحن من كل هذا يا سادة يا مسؤولين إداريين وفنيين في الجمعيات ؟!..

نبعث لكم فلذات اكبادنا صفحات ناصعة البياض فتلطّخونها باساليبكم الدونية في التسيير وبالمستوى المنحط لتعاملكم الأخلاقي..  انتم صرتم امتدادا لشارعنا العام الذي صار لا ينطق إلا بالبذاءة..  انتم صرتم تعلمون ابناءنا الأساليب القذرة والدنيئة للحصول على نتائج آنية..  أنتم صرتم تعلمون أبناءنا خرق الميثاق الرياضي والتعدّي عليه باعتمادكم شراء ذمم لاعبي الفريق المنافس لفريقكم وذمم الحكام وحتى بعض المسؤولين في رابطات وجامعات رياضتنا في كل الإختصاصات..

لنذكّر كل من هو يتعاطى الرياضة مسؤولا في اي مستوى بعقلية التحيّل والخبث والحسابات الضيقة التي تخالف قيمنا الأخلاقية الإسلامية السمحة.. بانهم لا يصلحوا ابدا بأن يكونوا مسؤولين وقدوة للناشئين لبناء تونس الغد..

متى تخلو منكم جمعياتنا ؟..  متى تحاسَبون على إجرامكم في حق ابنائنا في جمعياتكم ؟..

من يحاسبكم ؟..

لا جواب لديّ..

الحبيب العربي