مكتب بنزرت من الحبيب العربي
لعلنا لا نبالغ حين نقول أن سهرة الثلاثاء 11 أفريل الجاري في فضاء “الماجستيك” ببنزرت كانت من أنجح السهرات فنيا ومن حيث الإقبال الجماهيري وتفاعل الحاضرين مع مختلف اللوحات والوصلات… نحن نحكي عن سهرة السطمبالي وبوسعدية التي أحيتها مجموعة من الفنانين والعازفين والمنشدين من جرزونة بقيادة المايسترو أحمد الهاني تحت إشراف الفنان المبدع والباحث في كل ما هو تراث تونسي أصيل جرزونة مستمد من الإيقاع الإفريقي، محمد علي التواتي…
ليلة الثلاثاء إذن كانت سهرة “الشقاشق” و”الطبلة” و”القيتارة” الإفريقية الصنع وكذلك سهرة “اللعب بالنار” والرقص على الإيقاع الأفريقي حتى أنه ما بقي متفرج واحد هادئا بمقعده.. جميعهم دغدغتهم الأنغام فملؤوا الركح وما قبل الركح وعلى المقاعد الفاخرة والمريحة للفضاء وأجسادهم تتلوى يمينا وشمالا على امتداد ساعتين كاملتين…
في كلمة : سهرة “بركة الجدود” كانت سهرة الإمتياز.. بامتياز.. مجموعة العازفين والمنشدين تميزت بحرفية كبيرة في أدائها الفردي والجماعي.. ودالي التواتي كان أكثر من رائع في تأديته رقص “السطمبالي” ثم بوسعدية المستمد جذوره من أعماق القارة السمراء إفريقيا.
“السطمبالي” هو نوع من رقص بوسعدية، فماذا يمكن أن نعرف عنهما بالتحديد ؟ محمد علي التواتي نجم السهرة الذي أضاف للعرض فقرة الرقص بالنار يروي لنا كل التفاصيل :
اسمحولي بتقديم نفسي.. انا محمد علي التواتي فنان محترف في الإيقاع والرقص وأنا مخرج وواضع سينوغرافيا عرض “بركة الجدود”… بالنسبة لـ”السطمبالي” هو من الموروث الأفريقي التونسي.. والقصة تعود إلى عهد البايات في بلادنا قبل سن قانون منع المتاجرة بالعبيد حيث كان بيع الرق مسموحا به.. كانوا يأتون بالأفارقة.. يأوونهم في “كرّاكة” غار الملح الواقعة في الساحل الجنوبي الشرقي لولاية بنزرت، ويوم السوق من كل أسبوع، ينقلونهم إلى العاصمة وهناك يبيعونهم بالمزاد.. بطبيعة الحال، الأفارقة السمر لم تكن لهم حرية للتعبير عن واقعهم فكانوا يلتجئون إلى الغناء والرقص على طريقتهم يعبّرون بهما عن آلامهم وأوجاعهم وعن غربتهم في ابتعادهم عن أرض جذورهم.. اما عن بوسعدية، فالأمر يتعلق برجل إفريقي، يقال أنه تاجرا تونسيا غنيا اختطف منه ابنته “سعدية” الجميلة جدا، في غفلة منه، وعاد بها إلى تونس ليبيعها اعتبارا لكون تونس البلد الإفريقي الوحيد الذي به سوق للرق.. ولما كان هو شديد التعلق بابنته لحد الجنون فقد قرر العثور عليها واسترجاعها إلى بيته وأسرته بين قبيلته الاصلية في طمبوكتو من دولة مالي.. دخل التراب التونسي وهو الذي لا يعرف أين تسكن ابنته بالتحديد وقصد مباشرة مدينة غار الملح من ولاية بنزرت التي بها الميناء البحري الذي ترسو به السفن التجارية القادمة من كل اتجاهات العالم.. والتي بها سوق بيع العبيد بطبيعة الحال.. زيّه الذي نقول عنه نحن تنكريا هو في الأصل تشكل طبيعة خلال سفره عبر الأدغال من جلود الحيوانات البرية التي كان يصادفها في طريقه إلى تونس فيذبحها.. يتغذى بلحمها ثم يلبس جلودها.. هناك في “كراكة” غار الملح، قيل له أن أحد الأغنياء “التوانسة” أصيل مدينة سوسة اشتراها وعاد بها إلى هناك.. ولذلك هو واصل رحلة البحث عن ابنته من بنزرت إلى سوسة مرورا بكل المدن الساحلية.. وراح يتجول بين أنهج وشوارع كل مدينة يدخلها في كرنفال ساحر بالألوان عساه يصادف ابنته بين الناس فيعرفها وتعرفه ليعود بها من حيث اختطفوها.. هو اعتمد الغناء والرقص على طريقة الأفارقة في تجواله بين المدن…
قلنا لمحدثنا، النجم الكبير في الرقص الإفريقي الذي تجاهلته التلفزات ووسائل الإعلام الحديثة الأخرى، محمد علي التواتي : وهل عثر على ابنته في نهاية رحلته أم لا ؟ قال : – البعض يقولون نعم.. والبعض الآخر يقولون لا.. وبين نعم ولا، نحن في تونس عامة وفي بنزرت تحديدا نواصل تأديته رقصته وغناءه وقد أدخلنا عليهما بعض الآلات الموسيقية الحديثة التي تساعدنا على تقديم الإيقاع الإفريقي بنحو أفضل كما أدخلنا فقرة اللعب بالنار خلال رقصنا لتتجمّل الفرجة أكثر اعتبارا للمكانة المرموقة للنار في مخيال كل إفريقي…
الحبيب العربي