تعرض مساء يوم 23 نوفمبر الجاري مسرحية “الجولة الأخيرة” في دار الثقافة البشير خريف بتونس العاصمة، لتكون بداية رحلة مسرحية استثنائية تنبض بالحياة حيث يعدّ هذا العرض من أبرز الأعمال الفنية لهذا الموسم لأنه عمل فني يأخذنا إلى عالم من الأحاسيس العميقة والعواطف المتناقضة في تجربة لا مثيل لها على خشبة المسرح اذ أنها تجربة فريدة تُبهر الحواس وتغني للروح وقد كتب نص هذا المنتج الفني الكاتب الذي يعيد رسم الملامح الإنسانية الاعلامي عبد الحفيظ حساينية حيث يعدّ صاحب هذا النص المبدع، حجر الزاوية في هذا العمل المسرحي الفريد بحبكة درامية محكمة، يُقدّم لنا خلالها قصة “الزيتوني” الرجل الذي يعاني اغترابًا داخليًا في وطنه ويواجه حياة مليئة بالآمال المتناثرة حيث عمد المؤلّف الى حبك الصراع النفسي لشخصيته بأسلوب غارق في التفاصيل الإنسانية مما يجعل من هذا النص مرآة تعكس واقع كل فرد منا في لحظات العزلة.
اما مخرج العمل حاتم الحشيشة فقد حوّل المسرح من خلال هذا المنتج الفني إلى سحر مرئي ذلك انه نجح في تحويل النص إلى عرض بصري مذهل لان المخرج معروف بقدرته على استخدام الإضاءة والموسيقى والرقص في تكامل فني يعزز مشاعر التوتر والراحة في ذات الوقت ذلك ان كل حركة وكل شعاع ضوء وكل نغمة موسيقية تحمل رسالة تُعمّق من التفاعل بين المسرح والمشاهد فتغمره في عالم يختلط فيه الخيال بالواقع. ومن جهته تميّز الممثّل منير العلوي في دور “الزيتوني” بآدائه الذي يجسّد قسوة الحياة وتناقضاتها وهو أداءً مسرحيًا يستحق التقدير اذ نجح في تجسيد تداخل مشاعر الألم والأمل والحزن والفرح، ليخلق شخصية حية تشبه كل واحد منا حيث يتنقل بين أبعاد الشخصيات وكأنها ألوان على لوحة فنية، من الحزن العميق إلى لحظات من الضوء، لتكون النتيجة عرضًا يعكس معاناة الإنسان في أكثر تجلياتها صدقًا وقد أنتجت هذا العمل الفنانة حنان عبيد وهي منتجة عرف عنها انها تمنح المسرح روحًا جديدة ذلك انا نجدها في قلب هذا العرض المنتجة التي تمتلك رؤية فنية واضحة اذ جعلت من هذا العمل حقيقة فنية تنبض بالحياة وحرصت على دعمها غير المحدود لهذا المشروع لتؤكّد من خلال ذلك أن الفن ليس مجرد تسلية بل وسيلة لتحقيق التأثير الاجتماعي والجمالي في وقت واحد ولذلك كانت مساهمتها حجر الزاوية لتحقيق هذا العرض المسرحي الذي يفتقر إلى أي حدود إبداعية.
وعموما سيكون لأحبّاء الفن الرابع بمشاهدة هذا العرض موعد خاص مع مزيج من الأداء المدهش والإخراج المتقن والإبداع في النص ليعيشوا تجربة مسرحية لا تُنسى تأخذهم في رحلة عاطفية تتنقل بين ألوان الحياة المتعددة.