بنزرت، من الحبيب العربي

أي إعلام رياضي هذا الذي تشهده ساحتنا الإعلامية في العقدين الأخيرين من الزمن خاصة ومنذ أن حلت بنا ثورة الفوضى قبل 14 سنة، تحت غطاء شعار حرية الرأي والتعبير !!؟؟..

إنها “حرية” الحياد الكامل عن قاعدة الحيادية المطلوبة في كل إعلامي رياضي كلما تعلّق الأمر بالحديث عن جمعية ما، عن رابطة ما، او حتى عن الجامعة..

دخل الإعتبار السياسي في الحسابات فدخلت مع السياسة الإعتبارات الخاصة والمصالح الضيقة واصطفت كلها جنبا إلى جنب مع النفعية والمحسوبية والإنتهازية على حساب المصلحة العامة والمصلحة العليا للبلاد..

وبذلك جميعا صرنا نرى معلقين في التلفزات والإذاعات شبه ناطقين باسم جمعيات وتنظيمات بعينها..

وتبعا لذلك، صرنا نرى في البرامج المباشرة ذات البلاطوهات الحوارية دفاعا مشبوها عن مصلحة جمعية بعينها وهضما مفضوحا لجانب جمعية أخرى منافسة للجمعية التي يدافعون عنها..

ولهذا كله تأثير مباشر وغير مباشر على الرأي العام “السّاذج”..

بل الأخطر أن لكل هذا تأثيرا على من بيدهم سلطة اتخاذ القرارات التي تأتي عادة وفق ما يروّج له من حملوا صفة الإعلامي وارتدوا جبّة المستفيد من أموال وخيرات القائمين على هذه الجمعية أو تلك..

إنها الفضيحة الكبرى في إعلامنا الحالي تلك التي لا يخجل فيها المتورّط في الدّعاية لهذا الطرف أو ذاك ضد اي طرف آخر..

في أكثر من مناسبة سابقة قلنا أن ما يأتيه هؤلاء المرتزقة إنما هو عار على جبين إعلامنا الذي كان دوما صعب المنال على كل من يريد دخوله، وصار اليوم في متناول كل من يرفع شعار التأييد والولاء لأي منظومة مهما كان لونها..

وبهذا كله انتفت المصلحة الاعلى التي بُعثت من أجلها الرياضة في بلادنا خدمة للنشء عامة ولمصداقية تونس بين المحافل الدولية..

فعلى سبيل المثال، في منتخب كرة القدم، صار الترويج لأسماء لاعبين كي ينتموا للفريق الذي يحمل الراية الوطنية ليس بداعي التميز والتأهل المكتسب، وإنما بداعي انتماء هذا اللاعب أو ذاك لفريق معلوم.. ما أفقد الوطنية في منتخبنا بريقها حتى أن جماهيرنا صارت لا تتابع مباريات المنتخب إلا إذا كان يضم عناصر تنتمي لفريقهم بالذات..

فماذا ننتظر من كرة كهذه تتقدم فيه مصلحة الجمعية على المصلحة الوطنية ؟..

خسئتم يا أبواق الدعاية..

لنعد لمباراة يوم السبت الماضي التي دارت في ملعب 15 أكتوبر ببنزرت وجمعت النادي البنزرتي بضيفه الترجي الرياضي التونسي وكانت فيها الغلبة لأبناء عاصمة الجلاء على حساب فريق “وليدها” بباب سويقه، 2-1..

هذه المقابلة وخلال متابعتنا لتعاليق التلفزات والإذاعات ولتحاليل البلاطوهات الحوارية والمقالات الصحفية، سمعنا ورأينا وقرأنا معظم تعاليقهم وتحاليلهم تركّز على مردود الترجّي في كل لقطة وتتجاهل اجتهاد ونجاح فريق قرش الشمال في أدائه الفردي والجماعي، بل إنهم استكثروا على النادي البنزرتي انتصاره فأوعزوا ذلك إلى عدم جاهزية حارس الفريق الضيف ممّيش، متناسين أن هجومات أبناء الممرن البنزرتي “الحيدوسي” ما وصلت لحد منطقة حارس الترجي إلا بطريقة لعب اعتمدها ممرن فريق عاصمة الجلاء وأتقن تنفيذها لاعبوه، بل نجحوا في تطبيقها حتى حققوا هدفَي فوزهم..

فلماذا هذا النظر للمقابلة من زاوية واحدة ؟..

أي من زاوية الفريق الذي يحبون هم أن يتحدّثوا عنه، وقد ارادوا له ان يفوز على مضيّفه يوم أمس الأحد؟..

أليس في هكذا تعليق منحاز للفريق الضيف بصفة مكشوفة عار على كرتنا ورياضتنا..

أليس في هكذا انحياز خاص لفريق ما، و ضرب للحيادية المطلوبة في كل معلق ينقل بالصورة والصوت ويحلل مردود الفريقين في كل مباراة ما يجعلنا نقول ان هناك إساءة للإعلام الرياضي ؟؟..

وفي تلفزتينا الوطنيتين وإذاعاتنا الوطنية والجهوية الرسمية، أليس هناك من مسؤول يفرض على كل متعامل مع مؤسسته الحياد في تحليله وعند إبداء رأيه ؟؟..

التلفزتان الوطنيتان والإذاعات الجهوية الخمس هي ملك لكل الشعب التونسي الذي له في كل واحدة منها حق مكتسب اسمه مواطنةالجميع، وبالتالي احقيتنا في كلها جميعا أن نسمع ونرى احكاما تحليلية مبنية على مصلحة كرتنا عامة لا على مصلحة جمعية أو جمعيات بعينها..

البارحة، حارسان،

واحد حقق الإنتصار لفريقه..

والآخر تسبب في هزيمة فريقه..

مباراة يوم السبت في بنزرت، شاهدنا فيها حارسين، واحد في كل مرمى..

حارس الفريق متصدر الطليعة بمفرده أمان الله ممّيش،

وحارس الفريق الذي يسعى للإبتعاد عن فرق آخر الترتيب معز الحنزولي..

وللحارس في كل فريق عادة وزن يضاهي نصف الفريق أو اكثر حسب تقديرات الفنيين في هذا المجال..

ويوم السبت، رأينا معتز الحنزولي، حارس النادي البنزرتي المتواضع الإمكانيات في هذا الموسم قد ابدع في قيامه بدوره حيث انقذ مرماه في مناسبات عديدة من اهداف كان بالإمكان قبولها في شباكه، فضلا عن تصدّيه لضربة جزاء حين كانت النتيجة متعادلة 1-1..

الحنزولي إذن، الحارس الذي لا يتعدى سنه 19 عاما، ساهم بقسط وافر في تحقيق انتصار فريقه على بطل المحترفة الأولى الترجي التونسي..

في المقابل الحارس أمان الله ممّيش، الأول في الترجي حاليا وفي المنتخب سابقا، كان اداؤه ضعيفا في معظم الحالات..

بل إن تعامله مع فرصة الهدف الاول للنادي البنزرتي في الدقيقة 25 من الشوط الاول قد ارتقى لمستوى “الفضيحة” حيث كان تصدّيه للكرة مضحكا، إن لم نقل عنه هزيلا جدا وبدائيا، قلما يقع فيه حارس يلعب في جمعية كبيرة..

رأينا مثل ذلك الهدف الذي قبله ممّيش قبل سنوات وقد ارتكبه بومنيجل حارس النادي الإفريقي والمثلوثي حارس النجم الساحلي وكذلك المنتخب الوطني..

أخطاء فادحة أو قاتلة كما يحلو للبعض وصفها..

لكنها أخطاء، عندما حدثت، لم تتسبب في هزيمة فريقيهما أو المنتخب..

أما بالنسبة لامان الله ممّيش، فهي أخطاء متكررة، وفي كل مرة تكون تلك الأخطاء سببا في الهزيمة سواء مع الترجّي أو مع المنتخب..

بما يعني ان ممّيش حين منحوه فرصة الحارس الأساسي في الترجي أو المنتخب لم يكن جاهزا لذلك، وبما يعني أيضا أنهم قد تسرعوا بإلقائه في مرمى حراسة الشباك كأساسي والحال انه كان عليهم أن يتركوه يتمرّس اكثر..

ربما هي دوافع التعجيل بتثبيته في الحراسة حتى يتم “بيعه” بعد ذلك..

وربما هي دوافع معنوية بداعي التسجيل للتاريخ حتى يقال ان الترجي قد قدم هو الآخر أصغر الحراس للمنتخب على غرار النادي الإفريقي الذي اهدى لكرة القدم القدم التونسية أصغر حارس للمنتخب اسمه الصادق ساسي “عتّوقه” وسنّه لا يزيد عن 17 سنة..

وبعد خطإ يوم امس أمام النادي البنزرتي، وكل أخطائه التقديرية السابقة في تصديه لهجمات منافسين انتهت بقبوله اهداف، هل سنرى يوم الأربعاء المقبل ممّيش في مرمى الترجّي في مباراته ضد منافسه المباشر في أعلى الترتيب، النجم الساحلي؟.. لننتظر لنرى.

الحبيب العربي.