وات – (تحرير عادل الرياحي)
“يا أيها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي، إن البرلمان التونسي لا ينبني إلا على جماجم العباد، ولا يقام إلا على سواعد الشباب…” بهذا الخطاب الحماسي توجه القيادي الشاب بالحزب الحر الدستوري الجديد علي بلهوان (29 سنة) إلى عموم الشعب التونسي الذي خرج للتظاهر والمطالبة لأول مرة ببرلمان تونسي، قبل يوم من أحداث 9 أفريل 1938، التي يحتفل الشعب التونسي غدا بذكراها 86….
وتحتفي تونس الثلاثاء بذكرى أحداث 9 أفريل 1938، التي يعرفها عموم التونسيين “بعيد الشهداء” وتعد هذه الاحداث واحدة من أبرز المحطات النضالية في تاريخ حركة التحررالوطني من قيد الاستعمار الفرنسي، باعتبارها مثلت حدثا فارقا لما قبلها وبعدها وذلك بسبب التغير النوعي في مطالب التونسيين واستعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل هذه المطالب .
ويشير الباحث في التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد في حوار مع وكالة تونس افريقيا للانباء ، بأن الأحداث اندلعت يوم 8 أفريل 1938 بخروج الشعب التونسي بكل شرائحه وفئاته وأجياله وخاصة بمشاركة المرأة التونسية لأول مرة، استجابة لقرارات قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد، للتظاهر، أمام مقر الإقامة العامة (السفارة الفرنسية حاليا) والمناداة بالحرية وتحديدا بـ”برلمان تونسي” بعد ان انطلقت حشود المتظاهرين من “ساحة الحلفاوين” بقيادة علي البلهوان والثانية ومن “رحبة الغنم” (معقل الزعيم حاليا) وقادها المنجي سليم.
وكشف خالد عبيد في هذا الصدد عن معركة غير معروفة خاضها الحزب الحر الدستوري الجديد قبيل هذه الأحداث، وهي “معركة العلم” حيث قام برفع العلم التونسي فقط في كافة المقرات التابعة له وهو ما أدى إلى غلقها يوم 7 أفريل واعتقال عديد القادة السياسيين أمثال صالح بن يوسف ويوسف الرويسي وسليمان بن سليمان ومحمود بورقيبة.
وأرجع خالد عبيد التطور النوعي في المطالب الوطنية في احداث افريل 1938 إلى تجذر الحركة الوطنية في فترة الثلاثينات حيث رفعت شعارات لأول مرة تطالب ببرلمان ودستورتونسيين، وحكومة تونسية مؤكدا أن غياب شعار المطالبة بالاستقلال مرده أن تحقيق المطالب السابقة يؤدي حتما إلى الاستقلال وإلغاء الحماية الفرنسية.
// عشرات الشهداء وحملة اعتقالات واسعة للإجهاز على الحركة الوطنية
ويضيف الباحث في التاريخ بأنه لم يكن مبرمجا تنظيم مظاهرة يوم 9 أفريل، غير أن اعتقال “زعيم الشباب” علي بلهوان وعرضه يومها على حاكم التحقيق، بقصر العدالة بباب بنات، أدى إلى تجمع عدد كبير من الشباب خاصة من الطلبة الصادقيين والزيتونيين أمام مقر المحكمة مشيرا إلى الدور الكبير للمناضلين عزوز الرباعي وعلي درغوث في التعبئة والإعداد لهذه المظاهرة التي واجهتها قوات الجندرمة والجيش الفرنسيين بإطلاق الرصاص واستغلال الاحتجاجات للعمل على الإجهاز على الحركة الوطنية التونسية.
ويتابع عبيد بأن يوم 9 أفريل 1938 شهد مجزرة بالنظر الى العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا سواء يومها أو بعده متأثرين بجراحهم الى جانب قوة الآلة العسكرية التي واجهت بها قوات الحماية المتظاهرين مؤكدا أن العدد الحقيقي كان بالعشرات وليس 22 شهيدا مثلما أعلنت عنه السلطات الفرنسية حينها مضيفا في هذا الصدد بأن الحزب الحر الدستوري الجديد تحدث عن سقوط قرابة 150 شهيدا.
القوات الفرنسية لم تكتف بما قامت به من قمع، بل قامت بحملة اعتقالات واسعة شملت بالخصوص قيادات الحركة الوطنية بالحزب الحر الدستوري الجديد وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة ونفيهم في محتشدات خارج تونس ليتم الإعلان يوم 12 أفريل عن حظر نشاط الحزب وفق ما أفاد به أستاذ التاريخ، مشيرا إلى أن القرار الفرنسي كان واضحا وهو ضرورة إنهاء المد الوطني في تونس نهائيا لضمان استقرار مستعمراتها ومحمياتها قبيل حربها القادمة مع ألمانيا.
// قيادات في المنفى: الدروس والمراجعات
وبخصوص تداعيات هذه الإجراءات القمعية على الحزب الحر الدستوري الجديد أوضح عبيد بأنه رغم التراجع الكبير في عدد منخرطيه وتواجد مناضليه الذين نكل بهم بالمعتقلات والمنافي فقد اكتسب الحزب اثر هذه الاحداث شرعية اكبر لدى التونسيين.
وأضاف، في هذا السياق، أن اعتقال قيادات الحزب أدى إلى ظهور قيادات شابة على رأسها الحبيب ثامر الذي تمكن من المحافظة على روح الحزب وروح المقاومة وحافظ بالخصوص على الحزب من الاضمحلال من خلال مواصلة اعمال المقاومة والدفاع عن الكرامة التونسية.
ويتابع استاذ التاريخ بأن محنة الاعتقال والنفي لقيادت الحزب والتي تراوحت بين 3 و5 سنوات، مكنت من القيام بعدد من المراجعات، حيث استوعبت القيادات أن فرنسا تمكنت من الإجهاز عليهم لأنها نجحت في تأليب المجتمع التونسي والأجنبي المقيم بها (مالطيين وإيطاليين) ضد هذا الحزب، ومن أجل ذلك تقرر وضع استراتيجيا جديدة سيتم تنفيذها بعد الحرب العالمية الثانية بهدف خلق فراغ سياسي حول خطة المقيم العام الفرنسي بتونس
وأوضح أن هذه الإستراتيجية تمثلت في استمالة وكسب دعم العمال والحرفيين والفلاحين وكافة شرائح المجتمع التونسي وحتى الباي نفسه لدائرة المطالب الوطنية لتجنب “استفراد السلطات الفرنسية بالحزب” مرة أخرى وهو ما من شانه ان ييجعلها في مواجهة مع كافة التونسيين الأمرالذي عجل لاحقا بخروجها من تونس وإعلان الاستقلال.
وأضاف أن هذه الاستراتيجيا أشرف عليها تحديدا كل من الزعماء صالح بن يوسف والمنجي سليم وعلي بلهوان مضيفا في هذا الاطار انه تم تأسيس المنظمة الشغلية ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين ومحاولة توحيد الحركات الكشفية وتكوين جمعيات نسوية وشبابية في السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب العالمة الثانية .
واعتبر أستاذ التاريخ المعاصر أن هناك “تقصير” كبير في المناهج التربوية والتعليمية التونسية في مجال التعريف بالرموز التاريخية مما أفرز جيلا من الشباب المتعلم الذي يجهل هذه الرموز وعدد من المحطات الهامة في تاريخ تونس معبرا عن أمله في استدراك ذلك حتى يتمكن الشباب من الاستلهام من نضالات زعمائه.