أبو القاسم بن محمد الشَّابِّي الهذلي الملقب بشاعر الخضراء (24 فيفري 1909 – 9 أكتوبر 1934م) شاعر عربي تونسي من العصر الحديث ولد في قرية الشَّابِّية في ولاية توزر.
النشأة
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فبراير عام 1909م الموافق للثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ في قرية الشَّابِّية في ولاية توزر بتونس.
وقد كان ميلاده في عائلة ثرية ومتعلمة حيث درس والده محمد الشابي في جامعة الزيتونة ثم التحق في 1901 بجامع الأزهر بالقاهرة وعندما تحصل على الإجازة عاد إلى تونس ليتم تعينه قاضياً. قضى أبوه، الشيخ محمد الشابي حياته الوظيفية في القضاء بمختلف المدن التونسية، ومن الأرجح أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر جويلية 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـ.
كان الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي، ومن المعروف أن للشابي ثلاثة إخوة هم محمد الأمين وعبد الله وعبد الحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م.
يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه في جامع الزيتونة أعرق الجامعات العربية أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وهو من نطس الأطباء، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على أية حال من عواقب الإجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.
المرض
يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبته الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد. لم يأتمر الشابي بنصيحة الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة، ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال. يقول بإحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي: «ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنّى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية».
وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال: «إن صدقنا أطباؤه وخاصة الحكيم الماطري قلنا إن الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً (سبيله) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل، وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب ما بين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ». وقد عالج الشابي عند الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ. قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهم مستشفياً وكان يصحبه أخوه محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من الألم، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف في المشروحة إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا، وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجدي الشابي نفعاً، فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه (حامة توزر) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول وحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعة. وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانة وكان ذلك في أيلول واريانة ضاحية تقع على نحو خمسة كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا: أداء السل هو أم مرض القلب؟.
تمثال أبو القاسم الشابي في توزر
التأثيرات
التأثيرات التي تلقاها الشابي
التأثيرات الأدبية للرومانسية الأوروبية
بقيت قصائد الشابي الأولى، التي كُتبت بين عامي 1924 و1927، عادية إلى حد ما وموضوعاتها (النساء كمصدر للإلهام، والنبيذ، والمفاخرة، والتأبين، إلخ) شائعة إلى حد ما في هذه الفترة. مع انبثاق إلهام أموي وعباسي وأندلسي.
ومع ذلك، فهو مشبع بقوة بالتيارات الأدبية والشعرية العربية، ويمثل قبل كل شيء الإرث المتأخر للرومانسية التي هيمنت على أوروبا من نهاية القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. اللورد بايرون، الذي مات بطلاً خلال حرب الاستقلال اليونانية، ألهمه بالتأكيد لقصيدته «إرادة الحياة» (1933)، كما فعل جون كيتس، شاعر الحسية الجمالية، وبيرسي بيشي شيلي. وهكذا تذكر أغنية بروميثيوس صبحي حبشي بقصيدة شيلي بروميثيوس أنباوند (1920)، في حين أن عنوانها الأصلي (أغنية العملاق أو هكذا غنى لبروميثيوس) يستحضر نفس عنوان حبشي مثل عنوان عمل فريدريك نيتشه الفلسفي، هكذا تكلم زرادشت (1883). تستحضر هذه القصيدة استعارة النسر المرتبط ببروميثيوس، وبالتالي تستحضر الباتروس (1861) لتشارلز بودلير.
لكن، على عكس الشعراء الرومانسيين الفرنسيين مثل ألفريد دي فيني، ألفريد دي موسيه، فرانسوا رينيه دي شاتوبريان، لامارتين أو حتى فيكتور هوغو، لم يجعل الشابي العاطفة تسود على العقل والخيال على العقل.في التحليل النقدي. تشير الكاتبة والشاعرة التونسية سلوى راشدي إلى اختلاف آخر بين الشابي والرومانسيين الأوروبيين: بالنسبة لهم، الرومانسية هي تيار مناهض للثورة، بينما بالنسبة للشابي، هي بالتحديد وسيلة للثورة ضد الشعراء العرب.
ومع ذلك، يمكن للمرء أن يلاحظ تشابهًا معينًا بين الشابي وآرثر رامبو في سرعة العبقرية، إذ يُقدّم الشابي غالبًا باسم «رامبو شمال إفريقيا». كما تجري الصحفية فوزية ميزي مقارنة مع جيرار دي نيرفال فيما يتعلق بالموضوعات المشتركة للظل والحلم. يشكو الشابي من استعارة عدم قدرته على فهم الفرنسية: «أنا مثل طائر له جناح واحد فقط. جناح به ريش ممزق» أو «لا أستطيع التحليق في عالم الأدب بجناح واحد فقط من الريش». حتى أن أمير غديرا يذهب إلى أبعد من ذلك حيث كتب أن «جاذبية الإلدورادو من حيث النسل الاقتصادي للعمال المهاجرين لها نفس طبيعة الانبهار الذي تمارسه الثقافة الفرنسية على الشابي».
تأثير المسيحية ومدرسة المهجر والرومانسية
كما تأثر الشابي بكتاب المهجر ومن أهم شعرائهم جبران خليل جبران (الذي وصفه الشابي بـ «العبقري والفنان الخالد») وإيليا أبو ماضي. وفقًا لتحليل جلال المخ، فإن التأثير المشترك لجبران والرومانسية على الشابي أدى إلى تشبع الأخير بمبادئ المسيحية. في الواقع، هكذا يمكننا أن نفسر وفقًا للمخ، استخدام الشابي للمصطلحات المتعلقة بهذا الدين، مثل هيكل (معبد)، وترانيم (جوقة أو ترانيم)، وتجديف، وأجراس، راهب)، قديس، إلخ. يشير المخ إلى أن الشابي قد تبنى مفاهيم وأفكارًا معينة تتعلق بهذا الدين، مثل تأليه المرأة، وتقديس الأمومة، وتمجيد الطفولة والمعاناة، إلخ. بالنسبة للمخ، لا يمكن استبعاد أن الشاب الشاب كان على علم بالكتاب المقدس والأناجيل. ومع ذلك، فإن المخ يحد من الإلهام الذي قد يكون الشابي قد استمده منه في هذه الشروط:
«إذا كان الشابي متأثرًا بشدة بالمسيحيين الرومانسيين المستوحاة من مبادئ الفكر التوراتي وحياة يسوع، فمن الصحيح مع ذلك أن شاعرنا عرف كيف يصوغ شخصيته بعيدًا عن أي تقليد أعمى.»
سياق تونس في الثلاثينيات
نمت خبرات الشابي ومعرفته بفضل التواصل مع الأوساط الأكاديمية والفنانين من مجموعة تحت السور («تحت الأسوار») التي كان عضوًا فيها لذلك يجب أيضًا وضع شعر الشابي في السياق الاجتماعي والثقافي لتونس في الثلاثينيات، ثم تحت الحماية الفرنسية، والتي تميزت بظهور حركة أفكار، مثل الرغبة في الإصلاح التربوي، والمفاهيم الثقافية مثل المساواة، الحركة الوطنية، العلاقة مع الآخرين، تفسير وتحليل التراث، حرية التعبير أو العمل النقابي.
تناول الشابي هذه الأفكار في محاضراته وفي مجلته. يشهد فيلم الفاضل الجزيري الروائي الثلاثون (صدر عام 2008) على انتماء الشابي إلى هذا السياق التاريخي المحدد. وتشبهه فوزية مزي أيضًا بـ «طاهر حداد من الشعر»، ينتمي حداد أيضًا إلى هذا الجيل الذي عُرض في فيلم الثلاثون.