ثقافة وفن.. بنزرت من الحبيب العربي
في ولاية بنزرت، عديدة هي الأماكن الجميلة ذات الطبيعة الخلاّبة التي ما تزال في معظمها عذراء، أي لم تطأها قدم الزائرين إلا في مناسبات قليلة من كل سنة.. وهي أماكن ومناطق كل واحدة منها متميزة بخصوصياتها التي تنفرد بها.. فولاية بنزرت، بقدر ما هي معروفة ببحرها والشريط الساحلي الذي يبلغ طوله 252 كيلومترا، بقدر ما هي متميزة ببحيراتها الكبرى التي تشمل ثلاث معتمديات هي بنزرت الشمالية وجرزونة ومنزل جميل…
بنزرت اجمل ما فيها قنالها وجسرها المتحرّك.. وهي معروفة بسهولها المعطاء وجبالها الشامحة وغاباتها الغنّاء فضلا عن عديد بحيراتها ذات الرصيد الهائل من الأسماك والمنتوجات الأخرى المتنوعة…
في بنزرت كذلك محمية طبيعية فريدة من نوعها في العالم من حيث تزاوج المياه العذبة مع مياه البحر مرتين في كل سنة.. إنها بُحيرة إشكل.. ففي فصلي الخريف والشتاء، ينحدر الماء العذب من البحيرة التي تمسح 12600 هكتارا ببحيرة بنزرت عبر وادي سيدي حسّون لينجرف مع هذا التزاوج سمك الماء العذب نحو البحيرة البحرية المالحة بطبيعة الحال. وفي فصلي الربيع والصيف، أين تقل الأمطار وتتوقف الأودية المحيطة بإشكل عن تغذية بحيرته بالمياه، ينخفض مستوى بحيرة إشكل إلى ما دون مستوى البحر فتدخل مياه بحيرة بنزرت بأسماكها وخيراتها إلى بحيرة إشكل.. وينتج عن هذه الظاهرة الطبيعية التي تنفرد بها بحيرة إشكل بين كل بحيرات ومحميات العالم أن تظهر نباتات لا تنبت إلا عندنا تأتي من أجل تناولها طيور من أقصى شمال أوروبا ومن آسيا لتعشش بيننا فتبيض وتفرّخ ثم تغادرنا إلى بحيرات أخرى حتى تعود إلى بلادنا من جديد في الشتوية الموالية…
بحيرة إشكل هي إذن فريدة من نوعها وبها سبعة حمامات شفاء يجري فيها الماء الساخن بمختلف تركيباته الكيميائية على مدار العام.. كما فيها زيتون “الزبوز” ونبتة “المص” وعديد الحيوانات الغابية التي تعيش في جبل إشكل ومن حوله… فضلا عن بقر “الجاموس” الذي يمثل أحد أركان المشهد الجميل للبحيرة في كل صورها التوثيقية المنتشرة عبر العالم… كل هذا جعل الناس يقصدونها من كل صوب وحدب أثناء العطل المدرسية والجامعية على الخصوص ليكتشفوا المكان ولينعموا بالطبيعة العذراء والهواء الرطب النقي بها…
لكن هناك مشكلا يواجه كل من يقصد هذه البحيرة المهددة بسحب تصنيفها كمحمية طبيعية من طرف اليونسكو بسبب السدود الخمسة المقامة من حول البحيرة والتي جعلت منسوبها في تراجع كبير منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي.. هذا المشكل هو القرار الصادر عن إدارة المحمية والقاضي بمنع كل من هو زائر او سائح عادي من الدخول للمحمية واكتشاف جبلها وطيورها .. فقط هم الطلبة والأساتذة الجامعيون والباحثون المسموح لهم بدخول المحمية من حين لآخر.. هو قرار اتخذته الإدارة بغاية حماية المحمية وبحيرتها وجبلها المرتفع لأكثر من 500 مترا من الإعتداء على الطبيعة والحيوانات فيها والحد من ظاهرة سرقة واتلاف اشجارها خاصة.. فهل كان ذلك هو الحل الأمثل للمحافظة على المحمية برمتها ؟.. لا نعتقد ذلك…
مهرجان الربيع.. يشجع على اكتشاف المحمية
في معتمدية تينجة التي تتبعها إداريا محمية إشكل، تحركت همم بعض الغيورين على ثروات بلادنا في دائرة معتمديتهم فأسسوا جمعية إشكل للبيئة والسياحة الإيكولوجبة بتينجة.. هذه الجمعية، وما إن باشرت نشاطها حتى بعثت مهرجان الربيع بإشكل وقد بلغ هذا العام دورته 18 التي انتظمت أيام 26، 27 و28 أفريل الجاري.. دورة هذا العام هي من تنظيم مندوبية الثقافة ببنزرت بالشراكة مع الجمعية المذكورة.. وفي تدخل المندوبية في مستوى التنظيم إعطاء بعد جهوي ووطني للمهرجان في انتظار البعد الدولي في قادم الدورات.. دورة هذا العام غبنا عن فعاليات يوميها الأوليين بسبب انشغالاتنا المهنية لكن حضرنا أهم فقرة علمية وفكرية فيها وهي الندوة العلمية التي انتظمت بفضاء الجلسات والاجتماعات بإدارة المحمية وقد أثث فقراتها أربع أساتذة أجلاء تحدثوا في محاضراتهم القيمة عن المحمية ككل.. عن البحيرة.. عن جبل اشكل.. وعن كل ما يهدد هذه المحمية التي قالوا عنها أنها أصبحت تسمى حديقة إشكل.. هم بينوا للحاضرين في الندوة الذين قارب عددهم الأربعين فقط وقد قارب عدد الزائرين عشيتها مائتي نفرا تم منعهم من اجتياز باب المحمية كل إشكاليات الحديقة عامة وبينوا لنا أن الحلول الكبرى لتجاوز صعوبات المكان تعود إلى الإرادة السياسية بالبلاد أولا كما أن بعض هاته الحلول يعود إلى أبناء المنطقة ثانيا ثم إلى المستثمرين سواء كانوا تونسيين او أجانب كي يقبلوا على المنطقة بمشاريع تسمح باستقطاب كل الزائرين مهما تكاثر عددهم مع مراعاة خصوصية المكان وضرورة المحافظة عليه…
محاضرات قيّمة
المحاضرات الأربع التي استفدنا منها كثيرا كانت كما يلي:
- الوضع البيئي بالحديقة الوطنية بإشكل ..الإشكاليات والحلول ؟ من تقديم السيدة نبيهة بن مبارك، مديرة المنظومات الطبيعية بالوكالة الوطنية لحماية البيئة والمحيط.
- مساهمة نظم المعلومات الجغرافيّة والإستشعار عن بعد في تتبع التغيرات الطبيعيّة بالمحميّة الوطنيّة بإشكل للدكتورة زينب كسّوك، الباحثة بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس.
- الأراضي الرطبة في تونس : الواقع و التأملات، مثال : الحديقة الوطنيّة بإشكل في ظل تغيّر المناخ ندرة الموارد المائية و الضغوط الإجتماعيّة و الإقتصادية المداخلة للدكتور معز إسحاق، الخبير في المنظومات البيئية.
- تدخلات الدّيوان الوطني للمياه المعدنيّة بالحمّامات الإستشفائية المتواجدة بمحمية إشكل للباحث محمّد السخيري ممثل الديوان الوطني للمياه المعدنيّة.
الحل في محطة تحلية مياه البحر
كل المحاضرين أجمعوا على أن أكثر ما يهدد محمية إشكل وخاصة بحيرتها هي ندرة المياه التي كانت تنساب فيها بكثافة قبل عقود عديدة وفي العشريات للثلاث الأخيرة سجلنا تراجع مقدار المياه بشكل واضح مما جعل حواشي البحيرة تصاب بالجفاف.. وهنا، نقترح بناء محطة لتحلية مياه البحر على غرار ما قامت به في مناطق من وسط وجنوب البلاد.. وبذلك نصيب عصفورين بحجر واحد : نوفر الماء المحلّى للبحيرة بالقدر الذي تحتاجه ونوفر الماء للفلاحة في ولاية بنزرت وفي الولايات القريبة منها حتى يتواصل إنتاج الأمن الغذائي لبلادنا عامة من شمالها إلى جنوبها فنتخلى عن التوريد الذي يكلف ميزانيتنا في كل عام آلاف المليارات.