تجوب شوارعنا بالآلاف وأحيانا تجتمع قطعانا، بحثا عن الطعام وهي الناقل الأساسي لداء الكلب، إنّها الكلاب السائبة، التي أصبحت تشكّل تهديدا متناميا للتونسيين.
فمنذ بداية سنة 2024، سجلت تونس، أربع وفايات بسبب داء الكلب، بحسب وزارة الصحة.
وتنقل الكلاب فيروس الكلب إلى الإنسان وإلى الحيوانات الأخرى عن طريق العض أو الخدش أو اللعق وتبقى السبب الرئيسي إلى جانب القطط, للوفاة لدى الإنسان بداء الكلب، بنسبة 99 بالمائة، وفق المنظمة العالمية للصحة.
وتعد الوضعية البيئية الكارثية من بين أهم الأسباب الكامنة وراء التزايد المطرد في عدد الكلاب السائبة في تونس. وتتغذى هذه الكلاب، أساسا، من الفضلات المنزلية ومن بقايا الطعام الملقاة بشوارع المدن.
وأبرز كاهية مدير المكلف بمكافحة الأمراض الحيوانية صلب إدارة الصحّة الحيوانية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، هاني حاج عمار، أنّ “الفضلات المنزلية هي أهم مصدر غذاء بالنسبة للكلاب السائبة. ومادام هناك غذاء في متناولهم فسيواصلون التكاثر”.
ولكبح آفة داء الكلب، وضعت وزارة الفلاحة على ذمّة المواطنين، الذّين يمتلكون كلابا، 190 مركزا للتلقيح تنتشر بكامل تراب البلاد. وأفاد حاج عمار في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بأنّ”هذه المراكز تعمل على مدار السنة وتوفر تلاقيح مجانا. ويكمن الهدف في التقليص من خطر الإصابة بفيروس الكلب وبالتالي حماية المواطنين” .
وبالإضافة إلى مراكز التلقيح تنظم مصالح الصحّة البيطرية بالوزارة خلال شهري نوفمبر وجانفي من كل سنة حملة وطنية لتلقيح الكلاب وكل أصناف الحيوانات المعرّضة للإصابة بفيروس الكلب على غرار القطط والخيول والأبقار.
وتستهدف هذه الحملات، فقط، الكلاب المملوكة للأفراد لأنّ الكلاب السائبة لا يمكن القبض عليها وإجراء التلقيح. وقال “نحن عاجزون عن القبض على الكلاب السائبة لأجل تلقيحها. ويعود التصرّف في هذا الصنف إلى وزارة الداخلية، وخصوصا، البلديات، التي يتمثل دورها في تنظيم عمليّات قتل هذه الحيوانات للحد من انتشار فيروس داء الكلب”.
داء الكلب في تونس بالأرقام (مؤطر)
تونس ماي 2024 (وات)- الأرقام الأساسية بخصوص فيروس الكلب والوضعية الوبائية في تونس:
-تجاوز عدد الأشخاص الذّين تمّت مهاجمتهم من قبل حيوانات مشبوهة، بإصابتها بداء الكلب، من 30 ألف حالة في 2010 إلى 42 ألف حالة في 2022، وفق وزارة الصحّة. وكانت الكلاب السائبة وراء 31 بالمائة من هذه الحالات.
-سجلت تونس، خلال سنة 2023 ست وفايات تبعا للإصابة بداء الكلب مقابل خمس وفايات في 2022. أكثر من 43 ألف شخص تمّ تلقيحهم ضد داء الكلب في 2023.
-تمّ إحصاء، خلال سنة 2023، نحو 355 حالة كلب حيواني مقابل 250 حالة في 2022 أي بارتفاع بنسبة 42 بالمائة، وفق مؤشرات تعود لمعهد باستور.
-يقدر العدد الجملي للكلاب، بما في ذلك الكلاب السائبة والتي تتم تربيتها، ب520 ألف كلب، وفق تقديرات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
-بلغ معدل تغطية التلاقيح، التّي تمثل عدد الكلاب والقطط، الذين يقع تربيتهم، 79،1 بالمائة في 2023ن وفق المصدر ذاته.
-بحسب المنظمة العالمية للصحّة يقتل داء الكلب عشرات الآلاف من الاشخاص كل سنة، وأساسا في ىسيا وإفريقيا، 40 بالمائة من الضحايا هم من الأطفال الأقل من 15 سنة.
-وتقدر كلفة داء الكلب على المستوى العالمي ب8،6 مليار دولار في السنة، بحسب منظمة الصحّة العالمية.
برنامج “جمع/إخصاء/إطلاق” بديلا عن قتل الكلاب
رغم تسجيل تراجع في عمليات قتل الكلاب السائبة، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الضغوطات، التّي مارسها المجتمع المدني والمدافعون عن الحيوانات، يبدو أن هذه الممارسات قد عادت مجددا. وأفاد المسؤول عن مكافحة الأمراض الحيوانية أنّه “يتوفر لتونس عدد محدود من مراكز إخصاء الكلاب السائبة ويتعلّق الأمر بمركزي المرسى ونابل، نظرا لأن هذه المراكز تتطلب موارد مالية ولوجيستية هامّة. وتبعا لذلك تجد البلديات نفسها مضطرة لقنص وقتل الكلاب السائبة، ما يسهم، أحيانا، في التحكم في انتشار الفيروس”.
وأشارت سارة الزاوي، الناشطة في جمعية حماية الحيوانات بتونس، والتي قامت بتنظيم احتجاج، خلال فيفري 2024، تنديدا بهذه الممارسات اللاإنسانية، إلى وجود بديل عن قتل الكلاب السائبة.
ومن بين الحلول، ذكرت برنامج “جمع/إخصاء/إطلاق”، الذي يتمثل في جمع الكلاب بهدف تعقيمها ثمّ إطلاقها مجددا وهو ما يقوم به مركز تعقيم وتلقيح الكلاب السائبة بالمنزه 8 التابع لبلدية أريانة.
وأوضحت أنّ “هذه الممارسة موجودة منذ خمسين سنة. ويمكن أن أتفهم البلديات، التّي تكون عرضة لضغوطات المواطنين، الذّين ضاقوا ذرعا بالكلاب السائبة، لكن الإبادة ليست الحل”.
وقالت المسؤولة عن البرنامج الوطني لمقاومة داء الكلب بوزارة الصحة، كوثر حرابش، إنّها تتفهم الدعوات المتواصلة للمجتمع المدني الرامية إلى القطع مع عمليّات قتل الكلاب السائبة. وتتفق، حرابش، في الآن ذاته مع المسؤول بوزارة الفلاحة، هاني حاج عمار، في أنّ قتل الكلاب السائبة لا يمكن تفاديه خاصّة وأنّ البلديات لا تتوفر، دائما، على الوسائل اللازمة لإخصاء الحيوانات.
وبيّنت أنّه “في عدد من الحالات يكون قتل الكلاب السائبة حتميا من أجل السيطرة على بؤر داء الكلب الحيواني. عندما يعض كلب حامل للفيروس كلب آخر فإنه يتسبب في ظهور بؤرة جديدة للفيروس مما يستوجب التخلص من الحيوانات المصابة”.
ولأجل الوقاية من الإصابة بالفيروس، أوصت المسؤولة عن البرنامج الوطني لمقاومة داء الكلب المواطنين بتفادي الاختلاط بالكلاب والقطط غير المعروفة لديهم وعدم إيوائها بمنازلهم. وأوضحت تسجيل حالات وفاة مرتبطة بداء الكلب كانت ناتجة عن مثل هذا السلوك المتهوّر.
وشدّدت الاخصائيّة أنّه في حالة التعرض للعض أو الخدش أو حتّى اللعق من قبل كلب سائب فمن الضروري تنظيف الجرح أو الموضع بعناية بالماء والصابون لمدّة 15 دقيقة ثم تعقيمه.
وأشارت إلى ضرورة التوجه، في الإبان، إلى أقرب مركز لمعالجة داء الكلب.
واعتبرت أن تلقيح القطط والكلاب المنزلية من الحلول، التي تحد من انتشار داء الكلب مشددة على عدم ترك الحيوانات بالطريق العام لإن هذه الظاهرة هي من العوامل المتسببة في ارتفاع حالات الاصابة بهذا الداء في تونس.
(وات)