كنت هذه المرة جد محظوظ حين عثرت على بوٌابة النفاذ من أجل تفحص أعمالها المعروضة مؤخرا بمدينة قليبية رفقة ثلة من الفنانات في إطار العيد الوطني للمرأة التونسية فقادتنا العين الثالثة إلى قراءة ما تيسر من تجربتها الرائعة ..إنها باختصار الفنانة ضحى قارة القرقني التي تشتغل على تجربة عمرها خمس سنوات حيث برهنت على تمكٌنها من اللمسة العصامية لتصل بها إلى ابعد من جغرافيا الذاتية صامدة تشتغل بتؤدة على نحت موقع محترم لها في زحمة الأسماء حتى تنخرط في تشكيلة الأسماء الفنية المتداولة .

تجوال بين السيرة والمسيرة

ضحى قارة القرقني هي في الأصل معلمة للغة الفرنسية والإنقليزية في المدارس الابتدائية. حصلت على تعليم فرنسي منذ نعومة أظافرها وحصلت على ديبلوم في الاقتصاد عام 2019، قررت أن تصبح فنانة تشكيلية، عصامية التكوين علمت نفسها بنفسها بواسطة بحثها الذاتي وتنقيبها عن مصادر المعلومة المتعلقة بالفن التشكيلي مصادره وتقنياته ومدارسه عبر الإنترنت لتحاول مع السادة  أحمد الصوابني وعلي الزنايدي وآخرين أن تمتهن في هذا المجال الواسع، إنه عالم سحري يسمح لها بالعيش خارج الزمن مع شخصيات اخترعتها فرشاة الألوان بفضل شغفها بما يحيط بها وما يعتمل في فكرها من تداعيات وانفعالات لتنعكس اعمالا ولوحات راوحت بين التشخيصي والطبيعة ونبضات المجتمع اليومية..

ضحى، تعشق التلاعب بالألوان وأنسجة رمل المعجون لتمثيل كل ما ترتاح له العين المجردة من أشكال وجواهر من دهشة المواضيع المتناولة في رسوماتها.  فنانتنا صبورة جدًا وعاطفية وذات حساسية عالية تجاه جمال الطبيعة، تعشق التقاط الصور من خلال إبراز تعابير الوجه  بمادة الأكريليك والزيت الذان يعتبران أهم تقنياتها المفضلة وإلى جانب ذلك تستخدم تارة الزيت والباستيل الجاف…

 نشأت الرسامة في عائلة يحيط بها جمع من الفنانين، حيث كان والدها رشيد قارة (رحمه الله ) واحدا من أعظم الممثلين التونسيين  إضافة إلى جدٌها لأمها هو رائد الفن الخام في تونس، وخالها رؤوف قارة هو أيضًا فنان تشكيلي مقتدر في المشهد الوطني..

يشكٌل الفن بالنسبة للرسامة ضحى قارة مكمن علاج أساسي يسمح لها بالحفاظ على التوازن وإذابة كل ما يمكن أن يزعجها من تقلبات العصر العاصف،  ترسم على الزجاج والحرير والقماش والخشب.. تحب التعلم وتجري بحوثا ودراسات حول الأساليب المختلفة التي لها علاقة بالمدرسة الانطباعية والمدرسة الرمزية والتجريدية، أجدها تميل إلى الفنان الهولندي ” فان جوخ”  و”كلود مونيه”، كما أن لها اهتمام عميق جدًا بتراث وطنها من الآثار والتقاليد  والملابس.

وتعتقد الفنانة ضحى قارة أنها محظوظة للعيش في أحضان تونس لأن مناخها وموقعها الجغرافي يتوفران على حضور شبه كلي للشمس كمصدر ضوء وهذه الميزة تجمل الحياة و تعتبر رافدا مُلهما للفنان التشكيلي للإبداع والتوسع لإثراء تجربته الفنية لذا فهي فخورة جدًا بالعيش حقا هناك مما يسمح لي بالتفوق والتقدم في عالم الفن التشكيلي…

 تشارك الفنانة ضحى قارة في جميع المعارض الافتراضية في العالم على شبكة التواصل الإجتماعي وهذا التواجد على منصة الفيسبوك أتاح لها فرصة التعرف على فنانين عالميين ومنذ عام 2020 وهي فخورة بأنها أضحت من بينهم … تحصلت على شهادات تقدير وجوائز عبر المشاركة بلوحاتها في كثير من المحطات الثقافية ، لها أيضا مشاركات في معارض جماعية بعدد من الولايات والجهات على غرار تونس، قليبية ، الحمامات وسوسة ، تشارك كل عام في فعاليات مثل مهرجان الشجرة، ومهرجان الورد بأريانة والعيد الوطني للمرأة في 13 أوت، وتسعى للإنخراط في مختلف التظاهرات الفنية كلما سنحت الفرصة ، وهي بصدد عرض لوحاتها بمدينة قليبية بعد دعوتها لإقامة معرض يهتم محوره بالمرأة التونسية ومدى حضورها ودورها الفعال في التنمية والأصالة… تظل الفنانة التشكيلية برغم العثرات متمسكة حدٌ النخاع بموهبتها مؤمنة بقدرتها على تجاوز السائد والإنفراد ببصمتها التي تراوح بين السهل الممتنع، ونحن على يقين أنها تظل ساعية لمواصلة رحلتها الإبداعية على ضفاف محاملها التشكيلية ذات الارتباط الوثيق بمجتمعها وخصوصياته التي تكرٌس تأصيل الكيان والتشبث بالذاكرة الجماعية.

 هذا وقد كان لسحر وفتنة البحر النصيب الوافر من منجزها التشكيلي الذي بلغ إلى حد الآن مائة وعشرين لوحة بين نسق تجريدي وآخر واقعي.

جلال باباي