عدسة البيان: رياض الغربي
في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية احتضن مسرح الجهات بمدينة الثقافة مساء الاثنين 25 نوفمبر 2024 مسرحية “أم البلدان” إخراج وسينوغرافيا حافظ خليفة عن نص للكاتب المسرحي عز الدين المدني .
على امتداد ساعة وربع سافر حافظ خليفة بجمهور أيام قرطاج المسرحية في رحلة فنية عبر التاريخ وتحديدا الى تونس في العهد الحفصي مع محاكاة للواقع، هي فانتازيا تاريخية تستعير التاريخ للحديث عن الآن وهنا، بالاعتماد على الجانب الرقمي في الصورة المشهدية .
صمت في القاعة يكسره قرع للطبول اعلانا عن انطلاق العرض وعن تولي السلطان أبي زكريا الحفصي السلطة، وتروي المسرحية فترة إقامة دولة الخلافة بتونس بعد سقوط بغداد على يد المغول، وكيف جعل أبو زكريا الحفصي من تونس دولة مستقلة ومستقرة سياسيا واقتصاديا و ملجأ لكل الجاليات الأندلسية حيث قضى على الفتن والإرهاب واستقرت أحوال البلاد وعظم شأنها في شمال إفريقيا والأندلس.. ازدهار لم يحافظ عليه المستنصر بالله خليفة أبي زكريا الحفصي إثر وفاته حيث لم يكن في مستوى خلافة والده وانغمس في الملذات لتتدهور أحوال البلاد وتنتكس .
” أم البلدان” عمل مسرحي لم يكن الهدف منه تأريخ حقبة زمنية هامة من تاريخ تونس بقدر ما كان استلهاما لأحداث الماضي وإسقاطها على الحاضر، مراوحة بين تاريخين عبّر عنهما عز الدين المدني كتابة وجسدهما حافظ خليفة من خلال تقديم الأحداث برؤية سينوغرافيا رقمية جمعت بين المؤثرات الضوئية والصور الرقمية المبتكرة اذ تم الاعتماد على لوحات رسمت على خلفية شاشة عملاقة عكست أبنية ترمز الى تونس منها باب بحر وباب الخضراء وباب سعدون وسيدي محرز ومسجد القصبة، لوحات ثمنت التراث المعماري التونسي، وأخرى عبرت على الأحداث كلوحة الخفافيش التي أريد من خلالها إيصال رسالة أبي زكريا الحفصي والمتمثلة في القضاء على الإرهاب والتطرّف، اضافة الى لوحة تعذيب وقتل الشاعر الأندلسي ابن الأبار .
رؤية فنية معاصرة روى من خلالها حافظ خليفة وعز الدين المدني مرحلة هامة من تاريخ تونس أو “أم البلدان” التي مازالت قادرة على استعادة الريادة والتخلص من كل من يريد بها الشرّ.
كما راوح حافظ خليفة في هذا العمل بين الدراما والكوميديا وبين العربية الفصحى وبعض مفردات هذا الزمان بالاعتماد على العامية إضافة الى المراوحة بين اللوحات الكوريغرافية الراقصة كالسطمبالي والصوفي واللوحات الكوريغرافية الرمزية .
أما الجانب الموسيقي فتراوح كذلك بين الموسيقى الحديثة والموروث الغنائي الشعبي، كما تخلل العرض عزف حي أداه الفنان ابراهيم بهلول، دون أن ننسى الحديث عن تصميم ملابس الشخصيات التي ارتبطت وحاكت تلك الحقبة الزمنية فجاءت مزيجا من التراث الاسلامي العربي والتراث التونسي القديم .
عمل جمع ثلاثة أجيال من الممثلين كان أداؤهم متناسقا، سواء من ناحية الحوار الذي مزج بين الجد والهزل والإتقان للغة العربية الفصحى حيث كانت مخارج الحروف دقيقة وسليمة أو من ناحية الحركات الجسدية المدروسة والمتناغمة .
حاول حافظ خليفة من خلال هذا العمل المقتبس عن نص “تونس أم البلدان” أن يعود بنا الى الماضي حيث كانت تونس منارة علم ومركزا للخلافة وقوة سياسية واقتصادية ويحدثنا في الآن ذاته عن الحاضر وعن مفهوم بناء الدولة وليوجه رسالة مفادها أن تونس كانت “أم البلدان” ويجب أن تظّل كما يجب التصدي لكل محاولات عودة التطرف أو ما عبر عنه حافظ خليفة بخفافيش الظلام، من أجل تأسيس دولة العدل القائمة على العمل والحرية واحترام القانون .
“أم البلدان” كوريغرافيا شيماء العوني ، تصميم ملابس آمال الصغير، موسيقى تصويرية للدكتور رضا بن منصور أما الموسيقى الحية فهي من عزف إبراهيم بهلول، مساعد مخرج نزهة حسني، تصميم وتنفيذ إنارة رمزي النبيلي، هندسة رقمية نور الجلولي.
شارك في هذا العمل المسرحي التاريخي ثلاثون ممثلا نذكر منهم عزيزة بولبيار وجلال السعدي ومحمد توفيق الخلفاوي ونورالدين العياري وعبدالرحمن محمود وجميلة كامارا ونزهة حسني وشهاب شبيل وكمال زهيو وآدم الجبالي وعبدالقادر الدريدي وفاطمة الزهراء المرواني وعبداللطيف بوعلاق وعبير بن صميدة وأحمد روين وشيماء السماري ومجدي محجوبي ومحمد يوسف وبن عزيز وسيف الدين الوجيهي.