يوميات متقاعد رحّالة

بقلم: أبو نعيم، مسعود جبارة

في عاصمة الضباب لندن، مررت اليوم بمؤسسة “تعليمية” خاوية على عروشها. مبانيها المختلفة ساكنة صامتة حزينة كجثث هامدة في مقبرة لا تعمّرها غير الأشباح، بينما حواليها وغير بعيد عنها مدارس تنبض بالحياة… أطفال في عمر الزهور في ساحاتها يركضون ويلعبون… يدخلون إلى الفصول و يخرجون… وأولياؤهم في استقبالهم يغدون ويروحون.
هكذا بدت لي أكاديمية الملك فهد (KFA) باهتة شاحبة، وقد غزت ساحاتها الأعشاب الطفيلية والأشجار البرية، والطحالب تتسلق واجهات أقسامها كوجوه بؤساء لندن اشتعلت شيبا ولم تعرف شفرة الحلاقة إليها سبيلا منذ أمد طويل..
تأسست أكاديمية الملك فهد (KFA) بلندن، في سبتمبر 1985 في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، لتهتمّ بتعليم أبناء الدبلوماسيين السعوديين والمسلمين العرب والمجتمع المحلي في لندن.

وقع تسجيلها كمؤسسة خيرية بموجب القانون الإنقليزي، وتم تعيين خالد بن بندر آل سعود (من مواليد 1977) رئيساً لمجلس أمنائها… هل انتبهتم كم كان عمره وقتها؟؟
بُعثت المدرسة الخاصة في الموقع السابق للمدرسة الثانوية “فاراداي” (أغلقت عام 1984) بمنطقة أكتون في الأحواز الغربية للعاصمة البريطانية لندن.
قدمت أكاديمية فهد خدماتها التعليمية حسب البرنامج السعودي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 18 عامًا. لكن وفي فيفري2007، أثيرت إعلاميا إشكالات حول محتوى البرامج التعليمية للمدرسة، وظهرت مديرتها على قناة الـ”بي بي سي” في برنامج “نيوزنايت” تدافع عن استخدام الكتب المدرسية السعودية المتّهمة بأنها تحطّ من قيمة الأديان الأخرى غير الإسلام وتصف أتباعها بالخنازير والقرود.
تمت مراجعة الكتب لاحقًا، وإزالة الأوصاف المثيرة للجدل، حيث بررت السلطات السعودية أنها لا توائم المعتقدات الإسلامية الداعية للمساواة والسلام للجميع.

حظيت المدرسة بدعم مالي من المملكة العربية السعودية منذ إنشائها. لكن بسبب نقص التمويل في السنوات الأخيرة، تدحرجت وضعيتها إلى أن أغلقت أبوابها فجأة ودون إعلام مسبق للأولياء مع نهاية العام الدراسي 2023/2022 ولم يتم إيجاد تمويل بديل لها..

وواجهت السفارة السعودية وفريق إدارة الأكاديمية انتقادات من الموظفين وأولياء الأمور بسبب الفترة القصيرة بين الإعلان والإغلاق. و تم تقديم التماس باسم الموظفين وأولياء الأمور والطلاب والمجتمع المحلي يحثّ السفارة السعودية على إعادة النظر في قرارها. وحصلت العريضة على أكثر من 900 توقيع لكن دون نتيجة. فالمكان ظل مهجورا تماما ولا حركة فيه للسنة الدراسية الثانية على التوالي؛ 23/24 و 24/25 .

وفي انتظار أن يقيّض لها قدرها من يفتكها وينهض بها ، واليوم هو 14 جانفي تاريخ انتصار ثورة الشعب يريد في تونس، تحضرني بهذه المناسبة تجربتنا مع المدرسة التونسية بالدوحة التي جددت مؤخرا مجالسها المنتخبة دوريا وهي تراكم النجاح الأكاديمي والنتائج السنوية المبهرة إلى النجاح الإداري والتسيير الشفاف تحت الرقابة الشعبية المباشرة. وفي مثل هذه الأيام وقبل 14 عاما، كنا نخوض نفس المعركة؛ بين أن تكون مدرستنا هيكلا يتبع السفارة التونسية ويعامل كفرع حكومي أو أن تعود ملكياتها للجالية المقيمة بقطر فتديرها ذاتيا بإرادتها وتطورها وفق احتياجاتها. فأثبتت التجربة والممارسة أن المبادرات الشعبية هي البديل الأمثل عن فشل الإدارة الرسمية.