“نحو التأسيس للمفهومية التعبيرية في الفنون التشكيلية”

بمناسبة تنظيم المعرض الجماعي الفن والحديث بصالون الرواق سوسة جوهرة، قلٌبنا النظر بين زواياه، فالتقفتنا فتنة اللوحة التي حملتها قماشة الفنانة المتمرٌسة زينب الغول، التي كانت حمٌالة مفهوم جديد في طور الإنجاز، يبدو منذ الوهلة الأولى مغايرا للمألوف، يعتمد الفكرة. وهو عمل اكاديمي ينخرط في المفهوم الفلسفي الوجودي الذي لا يعتمد رسم الأشخاص، بل الأهمٌ من ذلك ما يختفي وراء هؤلاء الأشخاص.

وبالرغم من أن الرسامة تعترف أنها مازالت في بداية خطواتها، بيد أنها أبدت خلال لقائنا بها الافتراضي إحساسا قويا بثقة فائقة الحدود، بأن عملها يستحق التناول والتفحص بعد أن حظي بتشجيع أساتذتها بفضل الصبغة الاستثنائية وتفرٌد التوجه الذي خيٌرته زينب الغول بالتركيز على كون عملي هو مفهومي تعبيري بالأساس و ليس تشخيصي يدعو المتابع إلى التأمل و التفكير متجاوزا حاسة النظر فحسب وهذا فحوى التوجه الجديد ومركز اهتمام الفنانة التشكيلية زينب الغول في حرصها الشديد لما وراء الأشخاص لذلك ابتدعت لوحة “الكائن الأزرق” أقرب إلى دعوة منها للمتفرج للتمعن والتفكير والتأويل والزج به في بوتقة الطرح الدائم للسؤال الذهني، لذا لا غرابة حين استشعرنا سعيها جاهدة إلى إيصال فكرتها بأن مجتمعنا “المعاصر” أصبح للأسف بلا تفكير، في حين أنه بات لزاما على دور الفن التشكيلي أن يدعو المتقبل إلى التفكير وبالتالي إلتمسنا من خلال لوحتها وكتاباتها المرفوعة أنها تتضمٌن على حراك.. وتاريخ ثم والأهم من ذلك مشاعر داخل الإنسان المتقبّل، فتنتهز الفرصة لشدٌه ودعوته إلى مقارنة نفسه تلقائيا من خلال تمعنه ومحاولة فهمه للوحة، فيجد نفسه يفكر في ذاته وعلاقته بها وبما حولها.
هكذا وبتلك التيمات المخصوصة يتجلى الفن الحديث من زاوية رؤيتها معتمدا على المفهوم وليس التشخيص.
فالفكرة هي التي تطغى والفنان عليه أن يقوم بالدفاع عن فكرته التي تكتنفها جملة من المتغيرات وتعترض واقعه عديد المشاكل.

تعترف زينب الغول بكل مرارة أن المرأة اليوم قد فقدت نوعا ما من هويٌتها الأصلية الأولى وانقادت متأثرة بملامح الهوية الحديثة التي أصبحت اليوم بلا وضوح وكأنٌ العالم في طور الذكاء الاصطناعي بات عصرا متقلبا يسعى لمحو الذات الانسانية.
برغم حداثة تجربتها التشكيلية تظل الفنانة التشكيلية زينب الغول واثقة من المفهوم التي تصرٌ على تكريسه في المشهد الإبداعي، بأن يدعونا الفن إلى التفكير وليس إلى النظر فحسب والمرور على أمهات المسائل بلمسة فرشاة فقط دون التوقف على وضع نقاط استفهام والتساؤل عن اللامرئي ودغدغة مركز الذهن حتى ينتبه إلى الأسئلة الوجودية.
وحسب أعتقادها تؤكد الفنانة التشكيلية زينب الغول أنه ينبغي على الفن ان يطوّر من الإنسان ومن قدرته على فهم الآخر وخاصة اعتبار الطرف المقابل كإنسان يحمل كتلة من أحاسيس وليس كشخص مادي بلا مقوٌمات عاطفية. ثم تنعطف بنا الرسامة ذات النزعة الفلسفية إلى مفترق آخر تختزله في شغفها بكتابة نص مع اللوحة، فهذا في صلب الفن المعاصر وامتداد للحركة الفنية “دادا” التي تأسست سنة 1916 وعرٌف بهذه الطريقة مارسال دوران في كتابه وأسماها “ready made”
وقد تناولها عديد الفنانين بعد الحرب العالمية الاولى في أعمالهم.

وعي قويٌ بتقنية ” التلاشي” ودورها في نحت التواصل بين عناصر اللوحة

تستعمل الفنانة تقنية “التلاشي” كثيرا كامتداد للعناصر في اللوحة والتواصل بينها وبين عوالمها. وبالنسبة للملمسية فإن استعمالها في مناطق معينة هي سعي لابراز فكرتها والانتقال من ثنائية الى ثلاثية الأبعاد وذلك لإعطاء عنصر الهوية والحركة ثم الأهمية لتثمين مفصليات اللوحة بكل تدقيق.
نؤكد وإثر التحري الطويل يقين إبحارنا عند تجربة تحلٌق خارج سرب من يؤثثون المشهد الفني ذي العلاقة بالرسم، أن ما تنتبه أنامل التشكيلية المدهشة زينب الغول يندرج ضمن عمل تشكيلي سردي حتى يجعل من المتفرج عنصرا من القصة ومن المشهدية المعرفية ليغوص في معترك الحكاية مع مفهومها ضمن عناصر اللوحة ليصبح هو والمفهوم واحد .
في الأخير تجزم الرسامة ان هذه اللوحة لها تكملتها والتي سنبقى على شوق وانتظار؛ نتوق إلى اكتشافها قريبا
مثلما نعتها وأسماها “مارسال دوشون” (ready made aidé) كمساعدة جاهزة، أي بعبارة أخرى تكامل أدوار البطولة بين المتقبل واللوحة وسعي واع بدوريهما في إخراج العمل الفني لتتحقق الفكرة والمبتغى الذي من اجله أصرٌت زينب الغول التأسيس له.

                      ¤ جلال باباي