ارتفعت حصيلة قتلى المعارك الدائرة منذ السبت في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى 56 قتيلا مدنيا، وفق ما أعلنت نقابة الأطباء الأحد، مشيرة إلى إصابة 170 آخرين بجروح وإلى أن الحصيلة لا تشمل عشرات الضحايا في صفوف العسكريين وقوات الأمن.
في ظل هذه التطورات، دعت الأمم المتحدة والجامعة العربية وواشنطن وموسكو إلى وقف “فوري” للقتال، فيما حثت مصر الطرفين على “التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس”.
إستعرت المعارك في العاصمة السودانية حتى وقت مبكر الأحد غداة يوم من المواجهات العنيفة بين الجيش النظامي الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو، ما أدى لمقتل 56 مدنيا وإصابة 170 على الأقل وفق نقابة الأطباء السودانية.
في السياق، قالت النقابة إن “العدد الاجمالي للقتلى بين المدنيين بلغ 56 قتيلا”، وتحدثت عن “عشرات القتلى” في صفوف قوات الأمن لكن لا تشملهم حصيلة القتلى هذه. وقال بيان سابق صدر الأحد عن نفس الجهة إن المعارك “خلفت 27 قتيلا” بينهم اثنان في مطار الخرطوم “في إحصاء أولي للأحداث المؤسفة”.
وأشارت النقابة إلى أن العدد الإجمالي للجرحى بلغ 595 “من بينها إصابات لعسكريين، منهم عشرات من الحالات الحرجة”. وأوضحت أن هذه الحصيلة تتضمن “إجمالي عدد القتلى والمصابين الذين تم حصرهم من المستشفيات والمرافق الصحية”، مشيرة إلى “إصابات ووفيات بين المدنيين لم تتمكن من الوصول إلى المستشفيات والمرافق الصحية بسبب صعوبة الحركة”.
وأفاد شهود عن سماع إطلاق نار ودوي انفجارات في شوارع الخرطوم المقفرة في أعقاب إعلان قوات الدعم السريع عن سيطرتها على المقر الرئاسي ومطار الخرطوم ومنشآت حيوية أخرى. إلا أن الجيش سارع إلى نفي هذه المزاعم. وفي بيان صدر في وقت متأخر السبت حذرت القوات الجوية السودانية المواطنين بضرورة التزام منازلهم مع استمرار الغارات الجوية ضد قواعد قوات الدعم السريع.
ولزم السودانيون بيوتهم للاحتماء من القتال. وأكد السفير الأمريكي في السودان جون غودفري على تويتر أنه “مثله مثل كل السودانيين في مكان آمن” بعيدا عن المعارك.
وشوهدت في وقت سابق طائرات مقاتلة سودانية تحلق في الأجواء. وقال مراسلو فرانس برس إن المباني والنوافذ اهتزت في مناطق عدة من الخرطوم خلال المعارك، كما سُمعت أصوات انفجارات في وقت مبكر الأحد.
دعوات دولية لوقف القتال
في ظل هذه التطورات، طالبت الأمم المتحدة والجامعة العربية وواشنطن وموسكو بوقف “فوري” للقتال في السودان. أما الجارة القوية مصر فدعت الطرفين الى “التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس”.
وقال بيان للأمم المتحدة أن الأمين العام أنطونيو غوتيريس: “تشاور مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي بشأن تهدئة الوضع”، مضيفا أن مشاوراته شملت البرهان ودقلو. ودعا الأمين العام وفق البيان إلى “الوقف الفوري للعنف والعودة إلى الحوار”.
أما فرنسا، فاعتبرت أن “وحدها العودة إلى عملية سياسية تجمع كل الأطراف وتقود إلى تعيين حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة، يمكنها إيجاد تسوية دائمة لهذه الأزمة”.
وأعلنت الجامعة العربية عن اجتماع طارئ الأحد بشأن السودان بطلب من القاهرة، حيث يقع مقرها، والرياض وهما حليفان رئيسيان للجيش السوداني الذي يتصدى للقوات شبه العسكرية التي تريد إزاحته من السلطة.
وأعرب أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية في منشور على فيس بوك عن “عميق القلق والانزعاج إزاء العمليات القتالية الدائرة حاليا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، معربا عن صدمته وشجبه للجوء إلى السلاح والاقتتال بين الإخوة بهذا الشكل وفي نهار شهر رمضان الكريم..”.
اتهامات متبادلة بين البرهان ودقلو
في تصريحات لقناة الجزيرة، أكد دقلو المعروف باسم حميدتي إن قواته “لن تتوقف” إلا بعد “السيطرة الكاملة على كل مواقع الجيش”. وشدد على أنه لا يمكنه التكهن بموعد توقف القتال. وقال “لا أستطيع أن أحدد (متى تنتهي المعارك)، فالحرب كر وفر”. ومساء أكد حميدتي، في تصريحات هاتفية لقناة سكاي نيوز عربية الإماراتية، أنه سيستمر في القتال إلى أن “يستسلم البرهان المجرم”، مضيفا أن قواته ستلقي القبض عليه خلال الأيام المقبلة.
في المقابل، قال الفريق أول البرهان في تصريحات منفصلة لقناة الجزيرة، إنه “فوجئ في التاسعة صباحا” بحصار مقر قيادته من قبل قوات حميدتي حليفه السابق الذي يصفه اليوم بأنه “يقود ميليشيا مدعومة من الخارج”.
وبدا أن المفاوضات التي كانت تجري بين الطرفين، بوساطة من أطراف عدة، انتهت إلى نزاع مسلح مفتوح. وحشد البرهان طائراته الحربية من أجل “تدمير” معسكرات قوات الدعم السريع في الخرطوم، في حين هاجم حميدتي قائد الجيش ولم يتردد في وصفه بـ”المجرم” الذي “يدمر البلاد”.
واستيقظ 45 مليون سوداني، يصوم معظمهم العشر الأواخر من رمضان، على أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة والانفجارات في الخرطوم وعدة مدن أخرى.
وتدور المواجهات الآن بين الفريقين حول مبنى وسائل الإعلام التابعة للدولة في أم درمان بهدف السيطرة عليها، فيما انقطع ارسال التلفزيون بعد أن ظل ضعيفا لبعض الوقت. وفي نفس الضاحية، تعرض صحافي من قناة بي بي سي الناطقة بالعربية إلى اعتداء من أحد العسكريين، وفق ما أفادت المحطة.
قوات مصرية في السودان
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري مساء السبت على فيس بوك أن “قوات مصرية متواجدة” داخل السودان “لإجراء تدريبات مشتركة مع نظرائهم السودانيين”، مؤكدا أنه “جاري التنسيق مع الجهات المعنية في السودان لضمان تأمين القوات المصرية”.
ونشرت قوات الدعم السريع مقطع فيديو على حسابها الرسمي على تويتر يظهر فيه جنود مصريون وأكدت أن “كتيبة من الجيش المصري سلمت نفسها لقوات الدعم السريع في مروي”. وقال دقلو لسكاي نيوز عربية إن “القوات المصرية في مروي في أمان وإنه “سيتم تسليمها” الى مصر.
ودعت وزارة الخارجية المصرية دعت صباحا “كافة الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق”.
وكان البرهان وحميدتي يشكلان جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 أكتوبر/تشرين الأول2021. إلا أن الصراع بينهما ظهر الى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد.
وقبل يومين، حذر الجيش السوداني في بيان من أن البلاد تمر بـ”منعطف خطير” بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية. وياتي اندلاع هذا النزاع المسلح فيما يشهد السودان انسدادا سياسيا بسبب الصراع بين الجنرالين.
فرانس24/ أ ف ب: